سعود الريس

< ربما يكون تعبير الصورة أكثر دقة من الكلام، فتلك المشاعر الفياضة ومعالم الوحدة الإسلامية تجسّدت في لقطات كثيرة مرّت خلال الأيام القليلة الماضية، لتؤكد المكانة التي تحتلها السعودية في قلوب المسلمين، وكذلك حرصها على لمّ شملهم وتوحيد كلمتهم، ولاسيما في هذا الوقت الذي تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى ذلك، في ظل قيام بعض الدول التي تدعي الإسلام بإيقاظ الفتنة وبثها وإذكائها، بحجة الحرص على الإسلام والعروبة.

في إندونيسيا المشهد كان مختلفاً، إذ لم يعد مألوفاً خروج آلاف المواطنين واصطفافهم على جانبي الطرقات، لا للقيام بثورة، ولا للتظاهر، بل لإلقاء التحية على ضيف يزور بلادهم، تلك المشاهد لم نشاهدها إلا لقادة استثنائيين كان العالم يظن أنهم لم يعودوا موجودين، لكن حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة اللذين اُستقبل بهما الملك سلمان بن عبدالعزيز في إندونيسيا ومن قبلها ماليزيا ومن بعدهما بروناي والوفد المرافق له لوت الأعناق لتأتي بحجم الرسائل التي أرادت إندونيسيا قبل السعودية إيصالها إلى العالم.

الملك سلمان الذي بعث الآمال من جديد بهوية إسلامية تعيد إلى الشارع العربي والإسلامي هيبته، قطع آلاف الأميال، لا لاستجداء معونة، أو البحث عن دعم، أو توقيع عقود، بل بمثابة زعيم للعالمين؛ العربي والإسلامي، محملاً بهموم ذلك العالم وتطلعات شعوبه وآمالهم، فكان الإسلام أول ما بدأ به زيارته، وهو أيضاً ما ختم به، متضمناً معاني سامية لتعزيز التسامح، ومؤكداً ضرورة التصدي للإرهاب الذي تتعرض له دول إسلامية وأيضاً عالمية، ومذكّراً بالقضية الفلسطينية التي لم تغب يوماً عن بال الزعيم العربي والإسلامي، فكانت محوراً رئيساً في المحادثات، وأخيراً متمسكاً بعودة الاستقرار إلى العالم العربي والإسلامي كما في سورية واليمن والعراق وغيرها من الدول، ذلك جانب يسير مما تحقق خلال تلك الزيارة، وليس كما فسّرها البعض بأنها سباق مع إيران للفوز بشرق آسيا! ففي ذلك الطرح الكثير من السذاجة، لأنه لو كان كذلك، فإن نتيجته محسومة سلفاً لمصلحة السعودية الجديدة، لكن الحقيقة أن المملكة لا تبني استراتيجيتها على السياسات الإيرانية، بل ومن المؤكد اليوم أن إيران المهترئة من الداخل والمتآكلة من الخارج لا تشكّل ذلك الثقل الذي يدفع السعودية لرسم سياساتها بناء على ما تقوم به طهران.

وعلى رغم أننا لا نقلّل من الدور التخريبي الذي تقوم به إيران، ولا نغض الطرف عما ترتكبه من جرائم وتأثير ذلك، فإن الأكيد هو اعتماد السياسة السعودية على نهج رُسم منذ عهد المؤسس، ويتبلور اليوم ليضع البلاد أمام مهمتها التاريخية في قيادة العالمين؛ العربي والإسلامي، وهو الدور الذي تضطلع به المملكة اليوم، وتقوده إلى بر الأمان بكل اقتدار، لذلك كانت الزيارة تاريخية، وكان الاستقبال أيضاً تاريخياً، فالعالم اليوم بات متأكداً من الثقل الذي تشكّله دولة كان يُنظر إليها في السابق على أنها لا تملك إلا آبار نفط تسيطر عليها مجموعة قبائل، لكنها ردت عليهم باختصار «هذا هو النفط الذي تتحدثون عنه وضعناه جانباً»، لم يقلّل ذلك من شأنها، بل زادها رِفعة، وباتت خطط التحول والرؤية الحديث الشاغل للعالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وما كان لهذا الاهتمام أن يكون حاضراً لولا المكانة التي تحتلها هذه البلاد، وهنا حجر الزاوية، فذلك النهج هو الذي يبرّر الاستقبال الحافل، لأنه لزعيم استثنائي يقوم بدور غير مسبوق لأمة تتجاوز البليون.

الاستقبال المهيب ونتائج الزيارة لا شك في أنهما كانا محبطين لكثيرين كانوا لا يتمنون الخير لهذه الأمة، لذلك كان عصياً عليهم أن يستوعبوا سر تلك الحفاوة، وتفرغوا لإحصاء أعضاء الوفد المرافق، فتارة هو 1500 عضو، وتارة 600 عضو، وتارة إغلاق جزيرة بالي، وأخرى تحوّلها إلى ثكنة عسكرية، تفاصيل كثيرة حرص الإعلام الغربي والمستعرب مثل «بي بي سي» و «سي إن إن» على إقحامها والخوض فيها، لأجل التشويش على الزيارة التاريخية، وإقحام العقل العربي في عبث فكري لا طائل منه.

حتى قناة الجزيرة «الشقيقة» لم تفرّق بين عدد 600 مرافق، بعدما أعلنت ذلك في خبر بثته في نسختها العربية الموجهة إلى العالم العربي، و1500 مرافق بثته في نسختها الإنكليزية الموجهة إلى الغرب، قد يكون ذلك مجاملة للإعلام الغربي، لا نعلم، فالله أعلم بالنيات، لكن ذلك لا يعنينا كثيراً، فلندعهم يتفرغون للتعداد والبحث في التفاصيل، ولنواصل مسيرتنا، فنحن على موعد مع مزيد من التحالفات الاستراتيجية وتعزيز العلاقات، الزيارة لم تنتهِ بعد، فهناك اليابان والصين، والمزيد من خطوات الصعود إلى الأعلى.