سلمان الدوسري
على الرغم من أن التحول في المواقف السياسية التي أعلنتها إدارة الرئيس دونالد ترمب منذ دخولها البيت الأبيض، كان إيجابياً للغاية ومتوافقاً مع سياسة حلفائها الخليجيين، إلا أن الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة أعادت تشكيل التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن،
بل يمكن القول إن العنوان العريض للزيارة أنها نقطة انعطاف في تاريخ البلدين، وعودة قطار العلاقات السعودية الأميركية لمساره الصحيح والطبيعي كما كان على مدى 80 عاماً، بعد أن خرج هذا القطار عن مساره خلال ثماني سنوات هي فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فما أفرزته هذه الزيارة يكشف أن هناك تغييراً حقيقياً وملموساً في المواقف الأميركية بشكل جذري عما كان سابقاً، فالسياسة الأميركية أصبحت أكثر قرباً من حلفائها وأكثر مواجهة لخصومهم، إيران مثلا.
صحيح أن إدارة ترمب بدأت أكثر مكاشفة وصراحة أمام القضايا الرئيسية في العالم، وصحيح أيضاً أنها تلعب على المكشوف، إذا صح التعبير، دون الدخول في متاهات الدبلوماسية كثيراً، كما كانت تفعل إدارة الرئيس السابق، إلا أن التاريخ يذكرنا بأن التحالف السعودي الأميركي لم يتعرض للخطر الحقيقي إلا في فترة أوباما، بل إنه حتى في أشد أزمة مرت على البلدين، وأعني هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كانت إدارة الرئيس جورج بوش الابن قادرة على استيعاب هذه الأزمة وعدم تأثيرها على عمق العلاقات بين البلدين، وما حدث مؤخراً أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض أعادت الأمور إلى نصابها، خاصة وهي ترى نفس الرياض الطويل في الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين ولا تعرضها للضياع على الرغم من كل التغيير السلبي الذي ضغطت به الإدارة السابقة على علاقاتها بحلفائها، مع أهمية أن الأمير محمد بن سلمان نقل للإدارة الأميركية رسالة واضحة عن الكيفية التي تسير فيها السعودية الجديدة نحو التغيير، وخطة الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية الطموحة التي تجري على قدم وساق في المملكة، ولا شك أن الرياض تريد من الولايات المتحدة دعم عمليات الإصلاح التدريجي وتشجيعها بدلا من الاستعجال الذي لا يخدم الطرفين.
من المهم الإشارة إلى التناغم الكبير بين الرياض وواشنطن في معظم قضايا المنطقة المعقدة، سواء فيما يتعلق بالتصدي لطموحات إيران التوسعية ودورها في زعزعة استقرار المنطقة، أو الحرب ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة، أو دعم نمو الاقتصاد العالمي، وهنا المفارقة بأنها نفس المواقف السعودية التي اتخذتها سابقاً في هذه القضايا، إلا أن الإدارة الأميركية السابقة هي من غيرت سياساتها وابتعدت كثيراً، وهذا ما تسبب في إحباط بين الدول الحليفة للولايات المتحدة، فقد كان من الواضح أن هناك أطرافاً داخل البيت الأبيض كانت لا تقدّر تماماً العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة.
الرسالة التي خرجت من البيت الأبيض بعد اللقاء السعودي الأميركي كانت واضحة لا لبس فيها، فبالإضافة إلى أن الزيارة السعودية عالية المستوى كانت نوعية على جميع الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، فقد أثبتت أن البلدين يسيران في الجانب الصحيح نحو إصلاح عطب أصاب تحالفهما الوثيق فترة مؤقتة. يكفي أن تتذكر الحكومة الأميركية، وغيرها من حكومات العالم، أن المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المستقرة منذ 100 عام، فمن يفرط في تحالف مع دولة مستقرة عاقلة مثل السعودية؟!. . . .
التعليقات