محمد خروب
بدأ العد العكسي لاستحقاقات السادس عشر من نيسان الوشيك، وبات السؤال الذي يواجهه الرئيس التركي واركان حزب العدالة والتنمية الحاكم هو: هل سيقول الأتراك.. نعم؟ لهذه الخطوة التي لا يكاد يختلف اثنان على انها ستضع تركيا في مسار جديد, سيأخذ البلاد الى مرحلة اكثر خطورة من الانقسام وانعدام الامن وتدهور الاقتصاد والعزلة التي بدأت تُطل برأسها,
بعد ان حرق اردوغان ما تبقى من جسور مع معظم جوار بلاده, واستعدى اوروبا وراح يوزع الاتهامات بالفاشية والنازية على زعمائها, ولا يتورع عن توجيه الانتقادات اللاذعة المحمولة على غطرسة وشعور زائف بفائض القوة والاستعلاء, الى دول عربية اكثر عراقة واصالة ونبلا من دولته وخصوصاً من الإرث المزعوم لأجداده السلاجقة والعثمانيين، منحازاً بانتهازية الى حلفائه من جماعات الاخوان المسلمين, الذين بايعوه ودعا كبيرهم «القرضاوي» الى اعتباره خليفة المسلمين المُعاصِر وان يُدان له بالولاء.. رغم دوره المعروف في تدمير سوريا واشاعة الفوضى فيها وفي العراق وليبيا وغيرهم.
وإذ لا تنفك وسائل الاعلام التركية المؤيدة لأردوغان (ليس ثمة وسائل اعلام مُعارِضة, بعد ان اغلق معظمها وزج بصحافيّيها في السجون وطارد غيرهم واجبر من تبقّى على بيع تلك المؤسسات والانضمام الى جيوش الممنوعين من العمل، في ظل أزمة بدأ يعاني منها الاقتصاد التركي، والذي قد يدخل في طور الركود قريباً).. نقول: لا تنفك وسائل الاعلام المؤيدة للرئيس التركي, نشر نتائج استطلاعات للرأي تتحدث عن «ارتفاع» نسبة المؤيدين للاستفتاء، وتكاد تَلْمَحُ في أرقامها «الافتعال», اكثر مما هي في واقع الحال، الذي يُدرك قادة الحزب الحاكم انه قد يحمل مفاجأة مدوية لهم، تشبه ما حدث في انتخابات حزيران العام 2015,عندما لم يستطع حزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة منفردة، الى ان قام اردوغان بمناورة (اقرأ مؤامرة) افشل فيها مسعى رئيس حزبه (داود اوغلو) الذي أرسله الى العزلة وشطبه من الحياة السياسية، تشكيل حكومة ائتلافية، ليذهب الى انتخابات مبكرة في تشرين الثاني من العام نفسه، ليحصل لاحقاً على أغلبية مكّنته من اقامة حكومة من لون واحد وضع على رأسها بن علي يلدرم.
صحيح أن أردوغان نجح في استمالة زعيم حزب الجبهة القومية المتطرف دولت بهشلي... الى جانبه، منذ ان استثمر في همروجة الانقلاب وذهب في التنكيل بمعارضيه وزجهم في السجون وتصفية حساباته مع المعارضة العلمانية واليسارية وحلفائه السابقين في حركة الخدمة (حِزمِت) التي دعمته وقوّت من شوكته، ولما اشتد عوده وتمكّن من «القرار» ومفاصل الدولة, انقلب عليها وطاردها وسعى لجلب زعيمها فتح الله غولن، من منفاه في بنسلفانيا، إلاّ أن حركة بهشلي لا تستطيع ان تُؤمّن له النسبة المطلوبة (50%+1%)، كي تأخذ التعديلات الدستورية طريقها الى التنفيذ, وخصوصاً ان «كرد» تركيا الذين يشكلون 20% من عدد السكان, هم وحدهم الذين سيُقرّرون نتيجة الاستفتاء وربما مستقبل اردوغان السياسي، الذي لن يستطيع الاستمرار في نهجه العدواني والاستعلائي، الذي لم يُوفّر أحداً من «العالم»، إلاّ وشتمه أو استفزّه، او نعته بأوصاف مهينة وخرج على الجميع بالتهديد والوعيد, مُنذِراً بِأن ما بعد 16 نيسان ليس ما قبله, وان هؤلاء الذين «يُعادون» تركيا ولا يتمنون لها الخير و»يحسدونها» ولا يريدون لها الاستقرار... سيدفعون الثمن(!!).
ليس فقط أوروبا «المُعادية» للإسلام والأتراك،.. أوروبا هذه هي «التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية.. عنصرية وفاشية وقاسية» كما قال السلطان اردوغان، بل اللجنة «الأولمبية» التي تُمارس الخداع مع تركيا بمنع اسطبنول من استضافة الألعاب الأولمبية، وايضا المحكمة «الجنائية الدولية» التي تجاوزت صلاحياتها, عندما طلبت الإفراج عن قاضٍ تركي عضو فيها، مسجون رهن المحاكمة بتهمة الانتماء لحركة الخِدمة (جماعة غولن).. فضلاً عن التلويح بالحرب المُقدسة «الجديدة» التي ستبدأ في أوروبا، كما قال جاويش أوغلو، وزير خارجية أردوغان في تعليق على نتائج الانتخابات الهولندية, التي ساوى فيها بين غِيرت فيلدرز، زعيم اليمين الهولندي المتطرف المعادي للمسلمين والمهاجرين, وبين مارك روته، رئيس الوزراء الحالي الذي فاز حزبه بالمرتبة الأولى والذي سخِر اردوغان منه بالقول: صحيح أنك ربحت الانتخابات, لكنك خسِرتَ صداقة تركيا.
معظم دول العالم خسِرت صداقة تركيا وبغير هذه «الصداقة» لن يكون بمقدور سكان المعمورة ان ينعموا بالامن والاستقرار، فالسلطان غاضب وهو واركان حزبه يصفون الدول الاوروبية بالنازية والفاشية، ونائب رئيس حكومة اردوغان، نعمان قورتولموش، يُبرِّر استخدام تركيا الاستعارات بشأن الفاشية «...خشية أن (تنسى) الدول الاوروبية, تاريخها وتسقط في النازية مرة اخرى».
واذا لم نهمل مقولة اردوغان حول الحرب الجديدة بين «الهلال والصليب», فاننا سنكون (اذا ما نجح الاستفتاء) امام حروب صليبية من نوع جديد, او ان الرئيس الذي «سيغدو» له ما يريد، سيعود الى «هدوئه» ويبدأ بالإعتذرات ومحاولة ردم «الهوات» العميقة التي عمل بدأب ومثابرة على تعميقها مع الجميع، في الجوار التركي كما نحو اوروبا.. وان كان فوزاً «إن حصل»... بطعم الهزيمة.
اما اذا «خسر» وهذا سيقرره «كرد» تركيا والمنشقون على دولت بهشلي، فضلا عن المُتضرّرين من تنكيل اردوغان وقمعه بعد الانقلاب, الذي وصفه بـ»الهِبة من الله».. فإن هزيمة الرئيس التركي, ستكون المدماك الأول في نهاية مستقبله السياسي, الذي بدأ واعداً, لكنه انتهى... إلى كابوس.
التعليقات