سركيس نعوم


تورّط المملكة العربية السعودية بحرب في اليمن منذ تولّى السلطة فيها الملك سلمان بن عبد العزيز أثار اهتمام المنطقة والدول الكبرى. لكنه لم يرعبها لأن المنطقة كانت دخلت بعد ربيع تونس الناجح ربيعاً مصرياً نصف ناجح ونصف فاشل، ولأن ربيع سوريا والحروب المستمرة في العراق منذ غزو أميركا له عام 2003 جعل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط هاجساً للجميع. إلا أن قرار مملكة سلمان ووليّ وليّ عهده ابنه الأمير محمد تنفيذ إصلاح اقتصادي وفق خطة وضعها الأخير بالتعاون مع اختصاصيين سعوديين وعرب ودوليين، وتحديد عام 2030 موعداً لإنجاز تنفيذها، أثارا اهتمام العالم. إذ تحاول دولة متورّطة في حرب "دفاعية ووقائية" وخائفة من انتقال عنف العالمين العربي والإسلامي إليها، تحاول ترتيب أوضاعها الداخلية على نحو يعزّز مناعتها وصلابتها ووحدتها واستقرارها وأمنها وقوّة اقتصادها، وتالياً يمنع تحوّلها عضواً في نادي الدول التي تحوّل ربيعها إعصاراً مدمراً.
ولهذا السبب انشغل الباحثون العرب والغربيون في درس خطة الأمير محمد بن سلمان التي سمّاها "رؤية 2030" ومحاولة استشراف إمكان نجاحها والأخطار التي تحيق بها وأثارها السلبية والايجابية على المملكة نظاماً وسلطة وشعباً. ووضع هؤلاء دراسات عدة. وسيضع آخرون دراسات إضافية. ولذا يفيد اطلاع الرأي العام اللبناني وغيره على إحداها أولاً لأن السعودية والتطورات فيها تهمه بشقيه المؤيّد والمعادي لها. وثانياً لأنه ربما يستلهم أفكاراً لترتيب أوضاع بلاده أو يندفع وراء خيارات سياسية جديدة يستطيع أقطابها انتشال اللبنانيين من القعر الذي هم فيه منذ عقود. ولا شيء يمنع المحاولة ونجاحها على شعب يدّعي رغم انقسامه "شعوباً" أنه أب الحضارة وأمها منذ آلاف السنين، ويتفاخر بتفوّقه على أشقائه العرب والمسلمين وخصوصاً "البدو" منهم في المجالس الخاصة وسهرات الأنس والسمر.
ماذا في هذه الدراسة؟
يتساءل واضعوها أولاً إذا كانت خطة الاصلاح الاقتصادي السعودية التي تكلّف نحو أربعة تريليونات دولار أميركي مُستلهمة أو مستوحاة من الصين. ويقولون أن ما يثير السخرية هو قرار الحكّام المسلمين للسعودية صاحبة الدور الرائد في معاداة الشيوعية أيام الحرب الباردة محاولة تبنّي أنموذج الإدارة الاقتصادية الذي تنفذه الصين الملحدة المحكومة من الحزب الشيوعي فيها. ويقولون أيضاً إن "رؤية 2030"، وهي مشروع السعودية الأكثر طموحاً منذ تأسيس المملكة، قد يكون نتيجة انخفاض احتياطها المالي بنحو 150 بليون دولار جرّاء الانخفاض الكبير في أسعار النفط. لكنهم يلفتون الى أن "للرؤية" أهدافاً أخرى معلنة جريئة تحتاج الى وقت لتحقيقها، منها تقليص دور القطاع العام، وجعل القطاع الخاص محرّك الاقتصاد، وتقليص الاعتماد على النفط، وزيادة اشتراك النساء في القوة العاملة، وتقليص الفساد، ووضع نسبة خمسة في المئة من أسهم شركة "أرامكو" قيد التداول في البورصات العالمية. لكن الهدف الأول والأكثر أهمية هو ضمان استمرار حكم العائلة أي آل سعود للبلاد.
إلا أن عدداً من المراقبين لاحظوا بعد إطلاعهم على "الرؤية"، بل بعد درسهم وبعمق لها، غياب "الإصلاح السياسي" عنها وعن الخطة التنفيذية لها التي يفترض أن تنقل المملكة من اقتصاد ريعي الى اقتصاد قائم على الإنتاج. علماً أن هذا الموضوع ليس وارداً على هذا النحو. ولاحظوا أيضاً أن "رؤية 2030" تسعى الى نقل المملكة الى القرن الحادي والعشرين. ولهذا فإن التحدي يعبّر عنه السؤال الآتي: كيف يحدّث السعوديون الاقتصاد ويجعلوه ليبرالياً من دون الوقوع في الفوضى التي عانت منها المنطقة عندما تحدّت الشعوب فيها أنظمتها وخرجت عليها، كما حصل في سوريا وليبيا ومصر؟ والجواب كما يقدّمه هؤلاء يشير الى أن الانموذج الذي يتطلّع إليه السعوديون من أجل مستقبلهم ليس "الجمهوريانية" الأميركية (Republicanism) ولا البرلمانية الأوروبية، وهي تمثل أنظمة احتاجت مئات من السنوات لتنمو وتتطوّر. بل هو الانموذج الصيني حيث تحتفظ دولة مستبدّة محكومة من حزب شيوعي يحتفظ بسيطرة شاملة على الديناميكية السياسية فيها، ويحوّل بشكل دراماتيكي اقتصادها الى الليبرالية من أجل المحافظة على قبول الشعب له. انطلاقاً من ذلك فإن مجتمعاً قبلياً بعمق وهرمية اجتماعية قاسية وصلبة ليسا جاهزين لانتقال مناسب الى حكومة تمثيلية على النمط الغربي. لكنهما يستطيعان الأمل في تحقيق نمو اقتصادي سريع واستمرار "ثقافتهما وتقاليدهما".
ما هي أوجه الشبه بين الصين والسعودية؟