أحمد الغز

خطاب الفيصل سمّى الأشياء بأسمائها، مؤكدا التصميم على مواجهتها، خلال نهج جديد يشبهنا، بعد أن أضعنا عقودا ونحن نحاول أن نتشابه بالآخرين

مساء الثلاثاء الماضي، جرت مراسم الاحتفالية لتسلّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزبز، جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام. 
وخلال مشاركتي في هذا الاحتفال، سمعت أحدهم كيف يميز بين الخطاب التشخيصي والخطاب الاحتفالي، وقد أيّد وجهة نظره بضرورة تسمية الأشياء بأسمائها، لأن الواقع العربي لم يعد يحتمل التعمية وعدم الاعتراف بالمشاكل التي تواجه المجتمعات العربية. والحقيقة، أن مشكلتنا الحقيقية هي أننا أفرطنا في تشخيص الأمراض والانتقاد دون أن نتحمّل مسؤولية تأمين أسباب العلاج، من علوم وتقنيات وآليات ومؤسسات، والأهم من كل ذلك أن ننتقل من الاكتفاء من القراءة والكتابة إلى العمل والإنجاز وابتكار السبل التي تشبهنا وتحقق تقدمنا واستقرارنا. 
أهل المشرق العربي، هم خير من يعرف هذه الإشكالية، لأنهم أكثروا في الادعاء وحاولوا دائما التحدث باسم الأمة جمعاء على قاعدة التنوع والانفتاح على الغرب والشرق، إلى حد توهّموا أنهم شركاء المسيحية العالمية في إنجازاتها، وكذلك أنهم شركاء المسلمين والعرب في ثرواتهم ونجاحاتهم أيضا. والنتيجة كانت هو ما نراه اليوم في المشرق العربي بعد أن فقد سكينته، إذ يعيش أكثر من ثلثي سكانه في الخيام، مع استمرار نخبته في التوهم والادعاء. 
إن الأمور أكثر تعقيدا فيما يختص بالتمييز بين خطاب التشخيص دون القدرة على تأمين العلاج أي الفن للفن، أو على قاعدة «قل كلمتك وامشي» دون أن تعرف مدى الدمار والخراب الذي تحدثه تلك الأفكار، خصوصا أننا نعيش في هذه الأيام مع موجة من الوثائق التي يصدرها الحكماء دون أن نعرف كيف يمكن أن تصل إلى عموم الناس، وتلك هي أزمة النخب التي تمعن في الانفصال عن الواقع، وتكتب وتوجّه الكبار والصغار من أبراج الوهم وأمراضها وأعراضها. 
كان سبب الحديث، هو خطاب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي لم يتجاوز الخمسة والسبعين كلمة، ولم يتجاوز الدقائق الثلاث، وبعد أن سمّى الأشياء بأسمائها، مؤكدا التصميم على مواجهتها، خلال نهج جديد يشبهنا، بعد أن أضعنا عقودا طويلة ونحن نحاول أن نتشابه بالآخرين، وقضية النهج الجديد التي يكرّر الدعوة إليها الأمير خالد الفيصل، من مبادرة مكة قبلة وقدوة، إلى دعوته في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في أبو ظبي، إلى بلورة هذا النهج الجديد باعتماد الدليل أي البحث العلمي، والمشاركة في النقاش والحوار. 
ويأتي «أديم الأرض»، هو عنوان المعرض الذي افتتحه سمو الأمير خالد الفيصل، الأربعاء الماضي في قصر الملك فيصل بالرياض، والذي يتضمن بعض لوحاته الفنية، وقد استدعى لذلك مؤسسة عالمية لإجراء مزاد علني عليها، ليعود ريعها إلى جامعة الملك فيصل، تشجيعا للعلم والمعرفة، وقد بيعت إحدى اللوحات بمبلغ مليوني ريال، وبذلك يكون الأمير خالد الفيصل قد كرّس التزامه بالنهج الجديد الذي تضمنه خطابه في حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزبز، إبان جائزة الملك فيصل العالمية مساء الثلاثاء، وجعل الإبداع في خدمة العلم والمعرفة، مع رغبة سموه في السعي كي يبادر كبار المبدعين العرب بتقديم بعض لوحاتهم ليكون ريعها في خدمة العلم والثقافة في أوطانهم.