محمد أمين المصرى

لن تكون فتنة الدكتور سالم عبد الجليل الأخيرة فى الفضاء الإعلامي، الذى يعج ليل نهار بكل ما هو غث. فالكل يجرى وراء سبق وانفراد وحكايات مغلوطة وسب وقذف لكى يفوز بقطعة من كعكة الإعلانات، ومع ذلك تخسر الفضائيات مليارات الجنيهات سنويا، وتعلن فى كل ميزانية ختامية أنها تكاد تشهر إفلاسها، ثم نراها تواصل بثها وكأن ما أعلنته كان سرابا ووهما. ويبدو أنه مكتوب على المصريين العيش وسط فتن دائمة، فمصر لم تنم فى إحدى ليالى العام الماضى بسبب فتنة عضو مجلس النواب الذى اتهم كل سيدات الصعيد فى شرفهن، وكأن هذا النائب مولود من أم أجنبية، ولم يستح وهو يجرح كرامة شعب بأكمله، ليتباهى بأن مصر منقسمة حقا بين قبلى وبحري. ولم تكن مشكلة هذا النائب فى استرساله فى كلام فارغ وفج يستوجب إقصاء قائله عن مقعده كنائب للشعب فى البرلمان، وإنما فى المذيع الذى استضافه ولم ينتبه لما يتفوه به النائب، لولا هبة الغضب الشعبية، الأمر الذى توقف بسببه البرنامج وتم وقف المذيع لبعض الوقت، ليعود بعدها للقناة متعللا بـأنه كان فى إجازة طويلة. 

من الطبيعى أن يعلن الأزهر الشريف عبر مجمع البحوث الإسلامية، أن ما صدر عن عبد الجليل لا يعبر عن الأزهر الذى لا يملك تكفير الناس. وقد جانب الأزهر الصواب بمناشدته المتحدثين فى الشأن الدينى ألا يكونوا أدوات تستغل لإحداث الفتن وضرب استقرار المجتمع، وكذلك الالتزام بقيم الإسلام ومبادئه وأحكامه وآداب خطابه. 

وبمناسبة هذه الواقعة، أتمنى من الأوقاف أن تنبه على أئمتها خاصة يوم الجمعة بالكف عن دعاء «اللهم أهلك أعداء الدين من .....و......»، الذى دعا به الشيوخ إبان الحملات الصليبية واستمر حتى يومنا هذا. ولا يتوقف القلق على تهييج الفتنة الأخيرة للرأى العام، وإنما القلق من عودة بعض الأجهزة فى الدولة لتصدعنا مرة أخرى بضرورة تجديد الخطاب الديني، باعتبار أن الدكتور عبد الجليل رجل دين، فى حين أن الخطاب الدينى برئ من كل هذه الفتن، ومشكلتنا ليست فى الخطاب ذاته بقدر الذين يصبون لعنات غضبهم على الأزهر، وكأن هذه المؤسسة الدينية العريقة هى سبب مشكلاتنا التى نعيشها، وأن على الأزهر البحث عن حلول لها، فى حين أن الأزهر المشيخة والجامع من مدعاة فخرنا كمصريين فى الماضى والحاضر والمستقبل.