صالح القلاب
لم يتعال دوي طبول الحرب على الحدود الأردنية – السورية منذ عام 1980، عندما حشد حافظ الأسد جيشه على الجانب السوري في هذه الحدود، بحجج تشبه الحجج التي يرددها ويتذرع بها «ولده» الآن، كما أصبحت عليه الأوضاع منذ ما بعد الضربة «التأديبية» التي وجهتها الولايات المتحدة إلى مطار «الشعيرات» العسكري، رداً على جريمة استخدام هذا النظام، بدعم إيراني وتأييد روسي، الأسلحة المحرمة دولياً ضد خان شيخون، وحيث تحول التركيز من الجبهة الشمالية إلى الجبهة الجنوبية، والدفع بمزيد من مجموعات «حزب الله» اللبناني وفيلق القدس الإيراني، وكثير من الميليشيات الطائفية والمذهبية والإرهابية ومن بينها «داعش»، في اتجاه حدود الأردن، وبخاصة في المنطقة الملامسة لمنطقة درعا في سوريا.
والأخطر أن الأمور قد تطورت في اتجاه مزيد من احتمالات الصدام العسكري، عندما بادرت وحدات «مجوْقلة» ترافقها أرتال من «المشاة» من جيش نظام بشار الأسد ومجموعات من «الميليشيات» الطائفية الإيرانية ومن «الحشد الشعبي» العراقي، كما تقول بعض المعلومات، إلى ملء الفراغ الذي ترتب على انسحاب «داعش» من المناطق الواسعة المتقابلة على الحدود الأردنية – العراقية، المتاخمة للحدود السورية الأمر الذي اعتبره الأردن، ومعه بعض «الأشقاء» العرب وبعض «الأصدقاء» المعنيين بكل ما يجري في هذه المنطقة، تهديداً مباشرا وفعلياً له، وبخاصة أنه جاء في هذه المناطق الحدودية الحساسة.
وخلافاً لما يراه الذين يقولون إن سبب هذه الاندفاعة العسكرية السورية - الإيرانية، التي من المستبعد جداً أن تكون جاءت من دون علم وموافقة روسيا الاتحادية، هو ملء الفراغ بعد انسحاب «داعش» من هذه المنطقة، خوفاً من أن تملأه المعارضة السورية، فإن هناك من يعتقد جازماً أن الهدف الرئيسي لهذا التحول غير المفاجئ هو السيطرة على هذا الممر «الاستراتيجي» الذي بقي يشكل «كاريدوراً» برياً لتمرير الأسلحة والذخائر من إيران، بعد توقف في بغداد وفي محطات أخرى في وسط الأراضي العراقية، إلى جيش نظام بشار الأسد وإلى فيلق القدس الإيراني والميليشيات المذهبية التابعة له، وإلى «الحشد الشعبي» العراقي بقيادة هادي العامري.
إنه لا شك في أن هذا التقدير وهذا الاحتمال وارد، وفيه كثير من الحقيقة والصحة، لكن هناك من يرى أن الأمور لا تقتصر على مجرد «تأمين» وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى جيش نظام بشار الأسد و«حزب الله» والميليشيات المذهبية التابعة للولي الفقيه وللحرس الثوري الإيراني، بل إن الهدف الرئيسي هو تهديد الأردن والضغط عليه وعلى حلفائه من قبيل تشتيت الجهد والحؤول دون أن يكون التركيز على جبهة درعا - الرمثا الحدودية التي تعتبر المنطقة الحساسة الأولى والأكثر خطورة، إنْ بالنسبة للنظام السوري وحلفائه وإنْ بالنسبة للدولة الأردنية التي لا تعتبر أن هذه المنطقة هي خاصرتها الرقيقة وفقط، وإنما الأكثر خطورة لأنها تشكل واجهة عدد من مدنها الرئيسية وأهمها مدينة إربد التاريخية.
في كل الأحوال تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ النظام السوري إنْ في عهد «الوالد» وإنْ في عهد الابن بقي يستخدم هذه المنطقة، منطقة درعا السورية والرمثا الأردنية الحساسة جداً، لـ«التحرش» بالأردن ولاستفزازه ولـ«ابتزاز» بعض الدول العربية التي تعتبر أن أمن المملكة الأردنية الهاشمية من أمنها، وهذا هو ما حصل في عام 1980، عندما أرسل حافظ الأسد جيشه إلى الحدود الجنوبية، حيث أكثر النقاط حساسية بين الدولتين الشقيقتين، التي يجب أن تكون العلاقات بينهما علاقات أخوة وحسن جوار.
وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يفتعل فيها هذا النظام مثل هذه الإشكالات التي يفتعلها الآن في اتجاه الحدود الأردنية الشمالية، بالانطلاق من الحدود السورية الجنوبية، فهذا هو ما بقي يحدث باستمرار، والمفترض أنه معروف أنَّ الجيش السوري كان قد عبر حدود الأردن غازياً أكثر من مرة أخطرها في عام 1970 عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وحيث لولا بسالة القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وصمود الأردنيين في الدفاع عن بلدهم ووقفة الأشقاء والأصدقاء الشجاعة، لربما تغيرت معطيات كثيرة في هذه المنطقة من الوطن العربي الكبير.
وبالمقابل فإن الجيش الأردني لم يدخل الأراضي السورية «غازياً» ولا لمرة واحدة، فالمرة الوحيدة التي دخل فيها أراضي هذه الدولة المجاورة الشقيقة كان في عام 1973 عندما اهتزت معادلة القتال مع القوات الإسرائيلية في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، وكان لا بد من إرسال خيرة التشكيلات العسكرية الأردنية للدفاع عن دمشق التي غدت مهددة، والتي يعتبرها الأردنيون واحدة من أهم العواصم العربية، وأنَّ الدفاع عنها واجب ملزم، كواجب الدفاع عن عاصمتهم عمان.
إن هذا ليس من قبيل نكْء الجراح وصب الزيت على نار مشتعلة، لا سمح الله، ولكن من قبيل أن هذا النظام إنْ في عهد «الوالد» وإنْ في عهد الابن بقي يتحرش بالأردن، وبقي يرسل، وبخاصة في السنوات الأخيرة، الإرهابيين والمرتزقة الطائفيين والمذهبيين في اتجاه حدوده الشمالية، والمفترض أن الكل يذكر أن بشار الأسد قد أطلق في بدايات انفجار الأزمة السورية تهديداً قصد به المملكة الأردنية الهاشمية، قال فيه: «إن العنف وعدم الاستقرار اللذين باتت تعاني منهما سوريا سوف ينتقلان إلى بعض الدول العربية المجاورة».
وهكذا فإن الفترة الأخيرة قد شهدت دفعاً مستمراً لكثير من التنظيمات الإرهابية والطائفية في اتجاه نقاط التماس على الحدود الأردنية – السورية، وهذا هو ما جعل الأردن «يحذِّر» روسيا، لمسؤوليتها المباشرة في الصراع السوري، بما في ذلك هذه المستجدات الحدودية، من أنه لا يقبل بوجود كل هذه التنظيمات التي من بينها «حزب الله» اللبناني وكثير من التشكيلات المذهبية، العراقية والإيرانية، بالقرب من حدوده، وإنْ من داخل أراضي سوريا. والأخطر أن هذا التحذير قد تضمن تهديداً مبطناً، لا بل مباشر، بأنه - أي الأردن - قد يضطر، إن لن يُبْعد هذا التهديد عن حدوده، إلى التدخل العسكري في العمق السوري، دفاعاً عن شعبه وعن مدنه وقراه الحدودية.
السؤال هنا هو: هل من الممكن يا ترى، أن يضطر الأردن إلى إرسال قواته إلى داخل الأراضي السورية، وعندها فإن الدولتين ستنخرطان في مواجهة عسكرية مباشرة لا محالة، وذلك إنْ نفذ نظام بشار الأسد تهديده بالتعامل مع هذه القوات على أنها قوات «معادية»؟!. .
إن كل شيء ممكن وجائز، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الأردن قد لا يكون مضطراً إلى إرسال قواته إلى عمق الأراضي السورية، ما لم تتطور الأمور وتندلع حرب مواجهة مباشرة على الحدود العراقية – الأردنية – السورية، إذْ إن المعروف أن عمان لديها تنسيق يصل حدود التكامل مع تشكيلات فاعلة من الجيش السوري الحر الموجود داخل سوريا، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار ودائماً وأبداً أن مستجدات الأزمة في هذا البلد العربي، وبخاصة بعدما حسمت الولايات المتحدة أمورها، وأعلن رئيسها دونالد ترمب أنه مصمم على «قطع رأس رئيس هذا النظام»، قد تدفع كل هذه الأوضاع المتوترة إلى مواجهة عسكرية بين نظام الأسد والإيرانيين ومعهم روسيا من جهة، وبين الأردن ومعه المعارضة السورية وبعض أشقائه وأصدقائه من جهة ثانية. والحقيقة أن هذا غير مستبعد على الإطلاق، وبالإمكان حدوثه في أي لحظة.
التعليقات