عبدالله بن بخيت

لا أحد منا يتذكر متى تقاتل مذهب مسيحي مع مذهب مسيحي آخر. إذا أردنا أن نعرف شيئا عن تقاتلهم نعود إلى قرون خلت. الفرق بين مسيحيي اليوم ومسيحيي الأمس لا يكمن في التهذيب أو روح التسامح والطيبة.

رجل الدين ليس دائما سيئا ولكنه يملك الحقيقة المطلقة دائما. كلما تمددت صلاحياته في حياة الناس كلما مدد الحقيقة المطلقة التي يمتلكها حتى تتعدى ميدان الدين الذي هو اختصاصه. لاحظ أن رجل الدين ليس له رأي. هل سبق لك أن سمعت داعية يقول (هذا رأيي). رجل الدين لا يتحدث باسمه حتى وإن كانت مصالحه هي الموضوع. لو دققنا في الكيفية التي يستقبل رعاياه ومتابعوه كلامه سنرى أنهم لا ينتظرون منه رأيا. يظنون أنهم يستمعون إلى رأي الدين المنبعث من فمه.

ما الذي سوف يحدث عندما ينتقل هذا الرجل من الحديث في أمور الدين المختص فيها إلى أمور علمية أو سياسية أو ثقافية. عندما يقول رجل الدين إن الأرض لا تدور. بأي أذن سوف تستقبل كلامه وبأي أذن سوف تستقبل هذا الكلام لو قاله مثقف أو عالم فلكي. أخذت من رجل الدين الحقيقة بينما أخذت من المثقف أو الفلكي رأيا أو نظرية. تملك الجرأة أن تقول للمثقف والفلكي أنت مخطئ ولكنك لا يمكن أن تقول هذا لرجل الدين. رجل الدين يقدم لك الرأي الأخير الذي يجب أن تأخذ به أو أن تكون زنديقا.

المشكلة الأعظم ليست في صراع رجل الدين مع المثقف أو العالم. المشكلة الأعظم في صراع رجل الدين مع رجل دين آخر. كلاهما يملك الحقيقة المطلقة. نحن الآن أمام حقيقتين مطلقتين متناقضتين. والعقل يقول لا يمكن أن يكون هناك حقيقتان مطلقتان متناقضتان. لا يمكن مثلا أن يكون الهلال فاز بالدوري والنصر فاز بالدوري نفسه. أي تنازل من رجل الدين للآخر هو تكفير لنفسه دينيا وتنازل عن سلطته الدنيوية. ما الحل؟ إذا امتلك كل منهما سلاحا فلن يكون الحل غير أن أحدهما يجب أن يصفي الآخر.

ما الذي تفعله إيران اليوم غير أن رجل الدين فيها امتلك السلطة فتمددت الحقيقة الدينية التي يراها وصبغت كل ما تحت سلطته من شؤون. قرر أن من واجبه تصفيه الكفار أو هدايتهم لحقيقته. هذا بالضبط ما يفعله دعاة الجهاد وملاك الحقيقة المطلقة على الضفة الأخرى.

المسيحيون يعانون من نفس الاختلافات والحقائق المتناقضة ولكن شعوبهم أدركت حجم الدمار اللانهائي الذي سيخلفه صراع رجال الدين. ألزمت رجل الدين أن يحافظ على حقيقته المطلقة في مكانها ولكن لا يحق له أن يزج بها في الأمور السياسية أو العلم.