زاهي حواس
بدايةً، أؤكد أن الفراعنة لم يعرفوا الصيام، ولكنهم مارسوا العادات التي تعودنا عليها خلال شهر الصيام... وكان من المهم أن أكتب هذه العبارة في البداية حتى لا يتهمني أحد بتزييف التاريخ، أو أن أركب الموجة التي يروجها البعض، أن الفراعنة كانوا يعرفون كل شيء، وهذا خطأ كبير لأننا يجب أن نعتمد على الأدلة الأثرية واللغوية لتأكيد أي معلومة عن الفراعنة.
لقد أكد الطبيب المصري القديم أن بيت الداء في جسم الإنسان هو المعدة، وأن صحة الإنسان تبدأ من الفم ومن الطعام الذي يتناوله، فلا الإكثار من الطعام له فائدة عند الفراعنة، ولا الإقلال منه أيضاً. وقد تعجبت أشد العجب من ذلك الطبيب المصري القديم الذي نصح مريضاً بأن يترك جزءاً من معدته خاوية ليساعدها على هضم الطعام، ولكي يستطيع أن يتنفس بصورة طبيعية، كأنه ينصحه: «ثلث لطعامك، وثلث لشرابك، وثلث لنفسك».
وكان الملك أمنحوتب الثالث، الملقب بـ«باشا الآثار المصرية»، الذي عاش منعماً تأتيه الخيرات من كل البلاد، محباً للطعام وبشراهة، خصوصاً الحلوى بأنواعها، مما تسبب له بمشكلات صحية بالأسنان واللثة. وكانت النصيحة التي أشار بها الأطباء هي الامتناع عن هذه الأطعمة، ووضع تماثيل للإلهة «سخمت»، إلهة الشفاء، لتساعده على الشفاء.
كان النظام الغذائي عند الفراعنة يقوم على ثلاث وجبات. تبدأ أولاها مع شروق الشمس في المنزل قبل الخروج للعمل. والثانية هي الغذاء، إما في الحقل أو في ورشة العمل أو على مراكب الصيد، أي خارج المنزل وفي مكان العمل، وعند انتصاف النهار. والوجبة الثالثة هي الرئيسية، وهى العشاء، وتكون عند غروب الشمس مع الأسرة، بمجرد عودة رب العائلة من العمل، وبها اللحوم والأسماك والخبز؛ بالطبع لم يكن الأرز متوفراً عندهم. وهنا، أترك الفراعنة وأحكي لكم قصة عن ثلاثة أماكن قضيت فيها شهر رمضان الكريم، وكل مكان له طعم خاص.
فقد فتحت عيني، فوجدت قريتي (العبيدية) بمحافظة دمياط تختلف في شهر رمضان عن كل شهور السنة؛ تزين فيها الشوارع، والكل يسارع لعمل الخير، والكل يأكل على مائدة واحدة، ويستمع إلى أذان واحد، قبل انتشار التلفزيون بالقرية، ويتحول المصريون إلى قلب وعقل واحد، يذهبون معاً إلى المضايف (جمع مضيفة، وهى: المجلس)، وتعلم القرآن الكريم قبل الإفطار على يد الشيخ يونس، وحكايات ألف ليلة وليلة، وقصة أبي زيد الهلالي من الشيخ الدسوقي، والطواف على منازل القرية في المضايف للاستماع لحكايات من الفلاحين عن الثقافة والسياسة، ونلف مع الأطفال بالفوانيس لنشدوا: «حالو يا حالو... وحوي يا وحوي».
أما في أميركا، التي قضيت بها سبع سنوات لدراسة الدكتوراه، فكنا نصوم رمضان مع الزملاء والأصدقاء، وكنا لا نشعر بالغربة لكثرة العرب من المسلمين والمسيحيين، وكنا نفطر كل يوم عند أحد الأصدقاء، وكان الطعام على كل شكل ولون: «سوري - لبناني - سعودي - عراقي - مصري...».
أما في القاهرة، فنذهب إلى حي الحسين، أو مسجد السيدة زينب، أو مسجد السيدة نفيسة، رضي الله عنهم جميعاً، لسماع القرآن الكريم من قامات رفيعة من شيوخ المقارئ المصرية، ونستمتع بصلاة العيد في الساحات، وتهنئة الناس لبعضهم بعضاً.
في شهر رمضان، أرفض أن أسافر بعيداً عن القاهرة لأن مذاق هذا الشهر أصبح مهماً جداً بالنسبة لي؛ أقوم مبكراً في الصباح، وأكتب حتى منتصف النهار، وأمارس الرياضة، وأقابل أصدقائي من «شلة» الفرسان... أرجو أن نجتمع دائماً، ونبتعد عن كل ما يفرقنا... أتمنى أن نتخلص من الإرهاب والشر، وأن نقف خلف من يحمي الوطن يداً واحدة... كل عام وأنتم بخير..
التعليقات