غسان الإمام 

 بين النظام الإيراني والعنف علاقة قربى. وحنين. وتواصل. واستضافة. وتصدير. العنف يدخل في صميم نسيج النظام. ونفسيته. ومزاجه، منذ ولادته بعملية قيصرية في عام 1979.
تمت تصفية الألوف بالإعدامات الميدانية الجماعية. وتم اقتحام السفارة الأميركية. واحتجز دبلوماسيوها 444 يوما كرهائن، خلافا للنظام الدولي الذي يمنح السفارات والدبلوماسيين حرمة قانونية.
وما زالت الإعدامات تجري يوميا في السجون الإيرانية. ويدعي الإعلام الرسمي أنها لمعاقبة مهربي المخدرات. وهي في الواقع إعدامات سياسية. ودينية. وطائفية. وعنصرية، تتناول الأقوام التي يحكمها الفرس، كالبلوش السنّة. وهي عشائر قوية الشكيمة مقيمة على طول الحدود الإيرانية/ الباكستانية. وتطالب بحقوقها السياسية وحريتها الدينية.
عسكر النظام الإيراني العنف. فشكل جيشا «ثوريا» موازيا للجيش العادي. ومهمته مراقبة وملاحقة هذه الأقوام. كالانفصاليين الأكراد على الحدود مع العراق وتركيا. بل ينحاز النظام الإيراني إلى أرمينيا المتورطة في خلاف مع دولة أذربيجان الشيعية ذات الأصول التركية.
أما العرب، من سنة وشيعة، المنتشرون على طول الضفة الشرقية للخليج، فهم تحت المراقبة المتواصلة، لتذمرهم من عدم تخصيص موارد كافية من الحقول النفطية في أراضيهم، لتطوير مناطقهم. وتحسين أوضاعهم.
الحضارات العالمية إما سلمية الأداء والمزاج. فلم تتجاوز حدودها للاعتداء على جيرانها، كالحضارة الصينية. والحضارة البراهمية والبوذية الهندية. فيما كانت الحضارتان الإغريقية والرومانية غازيتين وتوسعيتين. وتركت كل منهما آثارا ونصوصا في البلاد التي احتلتها ربما أكثر مما تركت في وطنها.
أما الحضارة الفارسية الزرداشتية المجوسية، فقد كانت عنصرية. استعلائية. ولها سوابق تاريخية في الغزو والاحتلال، بامتدادها بالقوة إلى العالم العربي، وصولا إلى اليمن. ومصر. والشام (سوريا) ولبنان. وهناك اليوم جيش فارسي في سوريا يذبح المدنيين السوريين تضامنا مع النظام السوري الطائفي. ويستعين في مهمته الإرهابية بـ«حزب الله» اللبناني. وميليشيات طائفية أفغانية وعراقية.
وهكذا، فاتهام إيران للسعودية بالعلاقة بتفجير «داعش» للبرلمان الإيراني وضريح الخميني في طهران، يندرج في خانة التخرصات اللامنطقية سياسيا وميدانيا. فقد عانت السعودية من عمليات «داعش» و«القاعدة». وهي تخوض حربا عالمية على العنف والإرهاب.
وقد حثت مؤسسات مدنية ومراجع دينية إيرانية النظام و«الحرس الثوري» على الكف عن الاتهام، ما دامت المعلومات و«المستمسكات» غير متوفرة. وإيران تعرف ضمنا أن السعودية لا تعتمد العنف والإرهاب أداة في التعامل مع غيرها. وفي نشاطاتها الدبلوماسية والسياسية، على عكس النظام الإيراني المعزول عن العالم، لرفضه القبول بالنظام العالمي المحارب للعنف الديني.
نعم، «دود الخل منه وفيه». فقد اعترف النظام الإيراني بأن الانتحاريين القتلة هم إيرانيون شيعة. وتقول السلطات الإيرانية إنها اعتقلت رفاق وشركاء الذين ارتكبوا الجريمة. وتبين في التحقيق أن «داعش» استدرجهم وغرر بهم. فقاتلوا معه في العراق وربما في سوريا. وعاد مرشدهم المُكنَّى بـ«أبي عائشة» ليمارس الإرهاب في إيران. فلقي حتفه في التعذيب بعد اعتقاله. أو في ملاحقة الأمن الإيراني له.
وأود أن أذكر ما هو معروف عن استضافة إيران لأبناء أسامة بن لادن مرشد «القاعدة» من زوجته السورية (العلوية). وأقاموا في إيران. وصرح أحدهم أخيرا بأنه يسعى إلى إحياء «القاعدة» وتطوير عمله اقتداء بأبيه. وليس مستبعدا أن يكون «الدواعش» قد نجحوا في استدراج خلايا «القاعدة» النائمة في إيران، لتنظيم عمليات إجرامية مشتركة في الداخل الإيراني.
لا علاقة للأزمة الخليجية بملابسات التفجير «الداعشي» في إيران. غير أن إيران أفاقت على واقع جديد. فباتت مسرحا للعنف، فيما كانت تباهي بأنها صدرت «الثورة» إلى أراضي الغير. وتقصد العالم العربي.
سارعت إيران إلى استغلال الأزمة الخليجية. فعرضت على قطر تموينها بالخبز والملح، عبر ثلاثة موانئ إيرانية. ربما كان غرض إيران افتعال صدام بحري بين مراكبها الناقلة للسلع وقطع بحرية سعودية وإماراتية. ثم الادعاء أمام العالم بأن السعودية والإمارات تعيقان حركة الملاحة في الخليج.
اللهم لا شماتة في دماء تراق. لكن دماء كثيرة باتت تسيل تحت جسور الكراهية. والحقد. والتنافر الديني والطائفي. الضحايا أعزاء على النفس الإنسانية. الموت المفاجئ مذهل وصاعق للأبناء. والآباء. والأهل. وأيضا لأهل الانتحاريين.
هناك أسر تتستر على أبنائها عندما تلاحظ ملامح الإدمان المتزمت في سلوكهم وملامحهم. فلا تقدم على إبلاغ الأمن عنهم. وتتستر على «المتفقهين» الذين يغررون بشباب في مقتبل العمر، مستغلين الفراغ. والبطالة. والفقر، لتجنيدهم في غير ما أمر الله. والدين. بل ما زال هناك من يتبرع بالمال لمنظمات العنف والإرهاب. وقد أدانت القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض أخيرا تمويل الإرهاب. ويعتزم مركز مكافحة الإرهاب الذي قرر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إقامته في الرياض تجفيف التمويل الذي ما زال يتدفق على الانتحاريين.
هناك أيضا مدنيون أوربيون ضحايا للإرهاب «الداعشي». الهزيمة الماحقة التي ستلحق بالدولة «الداعشية» و«القاعدية» ستنعكس بشن هجمات انتقامية على المجتمعات المدنية في أنحاء العالم. هناك أيضا مئات ألوف المدنيين العرب والمسلمين الذين يتعرضون للموت بالقصف الجوي الذي لا يراعي الأبرياء في المناطق التي تسيطر عليها تنظيمات العنف الديني.
كان أحرى بالدولة الدينية في إيران التي لم توفر الحراسة والحماية لمجلس النواب. ولضريح الخميني، أن تعترف بالقصور. وبدلا من توجيه الاتهام الذي لا يقبله المنطق. والعقل، كان عليها أن تستغل ساعة الحزن، لتبادر إلى الإعلان عن العدول عن التورط في العنف. والإرهاب. وتصدير «الثورة» الخمينية إلى مجتمعات عربية غالبيتها سنية المذهب، ومن الصعب أن تقبل بالتشييع بالقوة.
اللهم لا شماتة. فالدولة التي تمارس الإرهاب أحرى بأن تقع ضحية له. فـ«دود الخل منه. وفيه».