الياس حرفوش
السباق الآن بين الروس والأميركيين والإيرانيين و «الحشد الشعبي» التابع لطهران يدور حول من سيفوز برأس الرجل المطلوب الأول في العالم اليوم، حياً أو ميتاً، ابراهيم عواد البدري، المعروف بصفته الوظيفية: أبو بكر البغدادي.
لهذا السبب، أسرعت وزارة الدفاع الروسية الى الإعلان عن قتله في غارة قالت إن مقاتلاتها شنتها على موقع قرب مدينة الرقة السورية كان يجتمع فيه البغدادي مع عدد من قادة تنظيمه وحراسهم، وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن عدد القتلى ربما تجاوز 300 شخص في الغارة التي وقعت ليل 28 أيار (مايو) الماضي.
التفاصيل الآتية من موسكو بالغة الدقة في تحديد وقت الهجوم (بين الساعة 12.35 و12.45 بعد منتصف الليل)، بعد تلقي أجهزة الاستخبارات الروسية معلومات عن اجتماع كان هؤلاء القادة ومرافقوهم يعقدونه في المكان الذي تم قصفه. لكن باستثناء هذه التفاصيل، لا تملك موسكو أي دليل يثبت صحة معلوماتها. لا جثث. لا تأكيدات من موقع الغارة أو من السكان وطبعاً لم يصدر أي بيان من قيادة «داعش» على رغم مضي ثلاثة أسابيع على هذا الاغتيال المفترض. هل يمكن أن يحجب هذا التنظيم خبر موت قائده وكأن شيئاً لم يكن؟
طبعاً، من الصعب افتراض تسليم الجائزة التي خصصتها الولايات المتحدة لمن يلقي القبض على البغدادي أو يقتله وقدرها 25 مليون دولار، الى فلاديمير بوتين، حتى لو تم التأكد من صحة الرواية الروسية. فروسيا تعتبر نفسها شريكاً طبيعياً في الحرب على الإرهاب مع الولايات المتحدة، ويفترض ذلك أن مكافحتها الإرهابيين وقادتهم لا تنتظر ثمناً.
غير أن الجائزة التي تحصل عليها موسكو أو أي طرف آخر ينجح في قتل البغدادي أو القبض عليه حياً، وهو الخيار الأفضل، هي جائزة معنوية، نظراً الى الدور المهم الذي يلعبه البغدادي في قيادة وتنظيم العمليات الإرهابية حول العالم، وما يعنيه القضاء عليه من ضربة كبيرة لتنظيم «داعش»، على غم أن هناك اتفاقاً بين المحللين على أن قتل البغدادي، لو تم، لن يعني بالضرورة وضع حد للأعمال الإرهابية.
وما هو مؤكد من المعلومات المتوافرة أن البغدادي والزمرة المحيطة به كانوا موجودين في الفترة التي تذكرها رواية موسكو في منطقة الحدود السورية المحاذية للعراق، وذلك بعد سقوط بلدة البعاج العراقية في يد «الحشد الشعبي» العراقي في أواخر الشهر الماضي. ويروي مراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية مارتن شولوف الذي زار تلك البلدة، أن الأهالي أخبروه أنهم كانوا يعرفون أن البغدادي كان يعيش في القرية مع حراسه وكان يتنقل كل ليلة بين نحو عشرة بيوت في البعاج، لكنّ أحداً لم يكن يجرؤ على الاستفسار أو السؤال عن وجود زعيم «داعش» في ما بينهم. ويؤكد شولوف أن جماعة «داعش» قامت بعمليات قصف مركزة على قوات «الحشد الشعبي» عندما شعرت باقتراب سقوط البعاج، بهدف تأمين طريق لهرب قادة التنظيم مع عائلاتهم الى سورية عبر الحدود.
الشكوك التي تحيط برواية وزارة الدفاع الروسية كثيرة. والبعض يقول إن هذه الرواية تدخل في إطار الحرب النفسية التي تعتبر أمراً طبيعياً في الحروب. لكن إذا تبين عدم صحة هذا الخبر في النهاية، فسوف يلقي ذلك ظلالاً من الشك في المستقبل على أي رواية أو خبر قادم من موسكو.
الأكيد أن البغدادي ليس محصناً ضد الاغتيال، على رغم الإجراءات الأمنية التي يتخذها مع كبار قادة التنظيم، ومنها عدم استخدام وسائل التواصل الإلكترونية أو الهواتف النقالة. فكثيرون من قادة هذه المجموعة الإرهابية تمت تصفيتهم في السنوات الأخيرة على رغم الاحتياطات. لكن قتل البغدادي عندما يتأكد سيكون له صدى كبير، داخل «داعش» وخارجه. ومن هنا سبب الشك في الرواية الروسية، التي لا يؤكدها أي دليل.
التعليقات