سمير عطا الله
من طبائع البشر أن الإنسان يميل إلى التعميم في نظرته إلى الشعوب. يتهم الآيرلنديون بالسذاجة، مع أنهم أعطوا كبار العباقرة في الأدب، من برنارد شو إلى جيمس جويس. وتروى النكات عن سذاجة البلجيكيين، مع أنهم أعطوا جورج سيمنون، الأكثر حذاقة في كتابة الرواية البوليسية.
وبعد 60 عاماً على الحرب، لا تزال وصمة القسوة تلاحق الألمان. لم ينفع في هذه السمعة كثيراً أن ألمانيا أكبر حاضنة للاجئين السوريين. شاهدت في ألمانيا أجمل المواقع السياحية في العالم، وأعرق الفنادق، وأروع الغابات، لكن الناس ترفض أن تعتبر ألمانيا بلداً لمتعة النفس. إنه بلد تعجب بكونه أغنى دولة أوروبية، وأهم دولة صناعية، ولكنه ليس إيطاليا، ولا فرنسا، ولا حتى بريطانيا. معظم الذين يزورون ألمانيا ليسوا أوروبيين من حملة ذكرى الحرب، وسمعة الشعب الذي كان يطرد «الأغراب» من الملاجئ، تحت القصف.
ينسى الأوروبيون أن ألمانيا هي بلد أعظم الشعراء والموسيقيين والفلاسفة، ويرفضون أن ينسوا أنها بلاد هتلر، ولكن ما السر في أنهم يتناسون ما فعل نابليون بروسيا وأوروبا التي حفرها دولة دولة، وعين عليها أشقاءه وشقيقته، ونهب ثرواتها، وأذلّها، ووسع مقابرها؟ إن الكاتب النمساوي الألماني ستيفان سفايك ينتحب لأن أعظم عبقرية عسكرية في التاريخ انهارت في معركة ووترلو، لكن الكاتبة البريطانية جان موريس ترى في هزيمة نابليون نهاية بحار الدماء التي لم يكف عن سفكها في شعبه والشعوب الأخرى. ولم تنسب إلى الفرنسيين الفظاظة كما نسبت إلى الألمان بسب هتلر. حتى الروس الذين كبّدهم نابليون كثيراً، ظلوا يعشقون الأدب الفرنسي والفنون الفرنسية، ويحلمون بالعيش في باريس. وحتى سقوط جدار برلين، كان الروس لا يزالون يعتبرون الألمان شعباً محارباً ومعتدياً، ولا يمكن الاطمئنان إلى أي صلح معه.
تقيد الألمان مثل جميع الأوروبيين بالنظام الديمقراطي، وتفوقوا عليهم بالألعاب الرياضية، ولكن 80 مليون ألماني يتحدثون اللغة الألمانية فقط، بينما يتفاهم سائر الأوروبيين بما تيسر لهم من كلمات إنجليزية. ويرددون الأغاني الإيطالية، ويسرحون في إسبانيا، ويملأون الجنوب الفرنسي. عندما تكون الجروح بالغة العمق يصبح من الصعب أن تنسى، ويصبح من السهل تعميم الوصمات على شعوب بأكملها.
التعليقات