أسعد حيدر
ما الذي يجمع بين سوريا المركز في المشرق، وليبيا في قلب المغرب العربي الكبير؟
الانتماء القومي العربي، لا يكفي لشرح وتبرير ما يحصل فيهما منذ العام 2011. الثورة ضدّ النظام انتهت في ليبيا بسقوط العقيد معمر القذافي وتوالد الصراعات. وفي سوريا أجهضت الثورة وتحوّلت إلى سلسلة من الحروب المتوالدة، التي علّقت مستقبل سوريا كله على حافة الوجود. رغم ذلك فإنه بعد سنوات ست ما يجمعهما يفوق بكثير ما يفرّق بينهما، إلى درجة التطابق مع تغيير بالأسماء والجهات.
موقع سوريا الجيوستراتيجي المميّز، دفع كل القوى الإقليمية والدولية للتنافس والتحارب مباشرة أو بالوكالة عليها. يُقال إن الإمساك بسوريا وبالقرار فيها ترجمته الفعلية والمباشِرة الإمساك بالشرق الأوسط، ومعها وضع «مفاتيح» أنابيب النفط والغاز الممتدة إلى أوروبا في «الجيبة». لذلك، يجري التصعيد يومياً مباشرة وبالوكالة من دون حساب ولا محاسبة للضحايا والخسائر، ومن دون أن يتمكّن أحد من تحديد نهاية لكل هذه الجرائم ضدّ الإنسانية خصوصاً التي تتجاوز أعداد الضحايا إلى عمليات التهجير المبرمجة التي تجعل منها «نكبة» تتجاوز نكبة فلسطين، مع فارق أن الاتهام بالجريمة محصور بالعدو الإسرائيلي، أمّا في سوريا فإن المسؤوليات تبدو موزّعة لأن كل طرف يتّهم الآخر.
في ليبيا، سقط معمر القذافي وسقطت معه ليبيا في أتون الصراع الدموي بين القبائل والجهويات، إضافة إلى تزويد هذه النار بكل ما يلزمها من الوقود من الجميع. ما يميّز ليبيا عن سوريا، أنها تمتلك النفط والجميع يريد الإمساك بقرار إنتاجه وتصديره. وشواطئ طويلة من الصعب ضمان الأمن والاستقرار فيها، لذلك تحوّلت إلى ممرّات مفتوحة لكل أنواع التهريب البشري إلى أوروبا، إلى درجة أن هذه «التجارة»، تُشكّل اليوم أكبر خطر على أوروبا. إذ منذ العام 2014 حتى الآن، وصل 600 ألف مهاجر إلى إيطاليا وحدها، فشكّلوا ألوف القنابل الموقوتة التي تهدّد إيطاليا ودول أوروبا عبر مسارب تدرّب عليها تجّار البشر.
أوروبا تريد إقفال ممرّات التجارة بالبشر. المعضلة هي في صياغة حل لليبيا يوقف الحرب ويفرض السلم والاستقرار خصوصاً أن توالد الحروب، حوّل «جهات» ليبية إلى أرض أغنت الإرهاب التكفيري من «القاعدة» و«داعش» بكل ما يلزم من الرجال والعتاد والمال، والأخطر أن هذا الإرهاب ينتقل بسرعة عبر الحدود فيهدّد مصر والجزائر وباتجاه أوروبا وأيضاً باتجاه الجنوب نحو أفريقيا السوداء، ممّا أقحم الولايات المتحدة الأميركية فيها.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ليست دخيلاً طارئاً على ليبيا فقد سبق لها ودفعت ثمناً غالياً عندما قُتل سفيرها فيها، فإن تعدّد الآخرين يصعّب الحل لأن كل واحد كما في سوريا يريد حصّته من الموقع زائد النفط. لذلك وجود فرنسا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا ومصر والإمارات العربية وقطر والجزائر وتونس مفهوم. يُضاف إلى ذلك القوى الليبية المتنازعة وهي اليوم عملياً: «حكومة الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج و«الجيش الوطني» الليبي بقيادة الماريشال خليفة حفتر. من دون أن ننسى القوى الإرهابية وهي «القاعدة» و«داعش» و«سرايا الدفاع عن بنغازي» والجماعة الليبية المقاتلة.
فرنسا التي تعرف جيداً ليبيا، لأنها احتلت في ما مضى الجنوب منها، لعبت دوراً خلال رئاسة نيكولا ساركوزي في إسقاط القذافي، تعمل على استعادة موقع لها على حساب إيطاليا. وتعتمد في حركتها داخل ليبيا على وكلاء مثل الرئيس التشادي ادريس الديبي، والميليشيات الدارفورية (من السودان). حماس الرئيس ايمانويل ماكرون لاستعادة فرنسا موقعاً واعداً اقتصادياً واستراتيجياً، جعله يندفع بحماس للعب دور فاعل. لذلك جمع، وهذه نقطة تُسجّل له، فايز السراج والماريشال حفتر، أي أنه جمع بين الشرعيتين المدنية والعسكرية. هذا بالمبدأ، أما في الواقع فقد أعطى لحفتر قوّة دفع «أعادت تأهيله» وحوّلته إلى شريك قوي معترف به دولياً ويسيطر على مساحات واسعة من ليبيا ويملك القوّة العسكرية التي جعلته يخاطب السراج عبر التلفزيون الفرنسي رغم اتفاقهما على أن يعملا سوياً: «عليك أن تتخلى عن «العنترة» لأننا نحن حراس الشعب».
إلى جانب الشرعية الجديدة التي كسبها الماريشال حفتر، الذي كان رجل أميركا الأول منذ انشقاقه عن القذافي، أن إنتاج النفط يبلغ حالياً مليوناً ونصف مليون برميل في اليوم الواحد، وأن الصندوق السيادي يحتوي على 66 مليار دولار، يُضاف إلى ذلك دعم مصر القوي له، والعلني عندما دعي لحضور أهم احتفال عسكري عند افتتاح ثكنة محمد نجيب.
يبقى أن إيطاليا المتضرّرة الكبيرة من اقتحام فرنسا لليبيا، تحاول الالتفاف على ذلك عبر التحضير للدخول إلى الشواطئ الليبيىة بقوّة بحرية مهمّة بحجّة محاربة الهجرة غير الشرعية البشرية إلى شواطئها، ولم يُعرف ماذا ستكون ردة الفعل الليبية والدولية على ذلك.
حالياً الماريشال حفتر يعمل على التمدّد داخلياً على طريق دخوله إلى طرابلس، ولذلك بعد أن ضمّ العديد من الضباط والجنود من الجيش الليبي السابق الذي انشق عنه، «يغازل» حالياً سيف الإسلام ابن معمر القذافي، للتفاهم معه، ممّا قد يُنتج تمدداً باتجاه سرت وربما «خزينة» القذافي التي هُرِّبت بكاملها أو جزء منها.
الرغبات الأوروبية والدولية بإخراج ليبيا من الحرب باتجاه الحل السياسي ما زالت بحاجة إلى فترة زمنية طويلة لتنفيذها لكن بالتأكيد مجرد وجود الإرادات تحت وطأة الخوف من الهجرة البشرية والمنظمات الإرهابية فإن كل شيء ممكن حتى في التفاهم بين القوى الكبرى المتصارعة على الأرض والموقع والنفط.
التعليقات