سمير عطا الله
في أزمة «الصواريخ الكوبية»، التي وضعت العالم أجمع على حافة الانفجار النهائي، كان الذي تراجع هو الاتحاد السوفياتي لا الولايات المتحدة، نيكيتا خروشوف وليس جون كيندي. أدرك خروشوف أنه سوف يربح كرامته في التحدي، لكنه سوف يفقد أحفاده ورفيقة عمره نينا بتروفنا، والشعب الروسي الذي حوله من راعٍ في أوكرانيا إلى زعيم لإحدى أهم دولتين في العالم. بدلاً من الذهاب إلى غرفة إطلاق العدم الأحمر، رمى رأسه المستدير الحليق على الوسادة ونام، نام من أجل أن يستيقظ العالم في اليوم التالي.
لم يتخذ خروشوف القرار وحده؛ هناك دولة وقيادة ومسؤولون ومسؤوليات من حوله. وكان أكثر الناس فرحاً بالقرار جون وجاكي كيندي لأنهما سيعانقان ابنيهما في الصباح. وعندما دخل وزير الدفاع روبرت ماكنامارا إلى منزله، في جورجتاون، تلك الليلة، قال جملته التاريخية: «ألقيتُ النظرة الأخيرة على شجرة الحديقة لأني لن أفيق لرؤيتها صباح اليوم التالي».
عندما يكون هناك عقل ودولة ومؤسسات، يبقى الخطر النووي قائماً، ولكن بنسبة ضئيلة. مجموعة كبيرة من الضوابط تضمن عدم انفلات الأعصاب والجنون وشهوة العدم. لكن ماذا يحدث عندما يكون القرار في يد رجل واحد، لا يكف عن الضحك، ولا يسمح لعسكرييه بأن يظهروا شيئاً من الرصانة، رجل في صورة يومية واحدة، فاقعاً ضحكاً، وأمامه صواريخ محشوة حشواً، على صورة الزعيم.
تنشأ المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات خوفاً من بروز ظاهرة لا علاج لها، ولا حل. لكن حتى التوقيع يصبح بلا أي مفعول، إذا كان الزعيم من النوع الذي لا يعد شعبه وعدوه إلا بالهلاك. هتلر وقع معاهدتين: واحدة مع بريطانيا، والثانية مع ستالين. وبعد فترة، كان يدك لندن من الجو، ويغزو روسيا براً.
هل من ضمانة إذن؟ ثمة ضمانة واحدة ومستحيلة: أن يمحو العالم السلاح النووي، قبل أن يمحو السلاح النووي الحياة على الأرض، ويحول الكوكب إلى رماد وجليد.
أي حرب نووية «محدودة» في كوريا سوف تعفّر بالموت والإبادة جزءاً من اليابان والصين، وقد لا تبقي شيئاً من الكوريتين: الأولى عزلت رئيسة الجمهورية، وحكمت بالسجن الانفرادي 5 سنوات على رئيس أكبر شركة فيها (سامسونغ)، والثانية يُعرض على شعبها كل يوم صورة واحدة: الزعيم المبجل فاقعاً ضحكاً أمام صواريخه المحشوة هلاكاً أعمى.
التعليقات