عمرو موسى يتذكر: الباشا رشَّحه موبوتو

 سمير عطا الله

 من قراءة عمرو موسى يتكوَّن لدينا أول رواية موضوعية لقصة ترشيح الدكتور بطرس غالي أميناً عاماً للأمم المتحدة. ففي مذكراته هو، ترك غالي الانطباع بأنه بسبب طائفته، أبقي «وزير دولة» للشؤون الخارجية، وليس وزيراً كاملاً. وعندما جاء عمرو موسى وزيراً، قرر الاستقالة.

في رواية موسى، أنه كان يقدِّر كفاءات غالي وثقافته العالية أكبر تقدير. لكن بعد تعيينه، قامت ازدواجية واضحة بين الرجلين بصورة طوعية؛ مما زاد في قناعة غالي بالخروج. ولكن إلى أين؟ غالباً، يأتيك بالأخبار من لم تزود، على قول طرفة بن العبد.
كانت هناك في تلك الفترة معركة – مثل هذه الأيام – على منصب المدير العام لليونيسكو. وفكّر غالي في الأمر. ومن الصدف، أنه قام بزيارة إلى الكونغو، واجتمع إلى رئيسها موبوتو سيسي سيكو. وقال له موبوتو إن أفريقيا تعد قائمة باسم مرشحيها لمنصب الأمين العام، فلماذا لا يضع اسمه على القائمة؟ وأجاب غالي بأنه ليس لديه تعليمات من الرئيس مبارك في هذا الشأن. قال موبوتو، ضع اسمك الآن، ثم تقرر في ضوء جواب مبارك.
عاد غالي إلى القاهرة وفاتح الرئيس في الأمر. وافق، لكنه أحاله على وزير الخارجية. وكان الدكتور مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس للمعلومات، قد قال في دراسته إن الترشيح يتطلب موازنات وحملة كبرى واتصالات مع الدول الصديقة، وخصوصاً، الدول الكبرى.
بدأ عمرو موسى اتصالاته مع وزير خارجية أميركا جيمس بيكر، الذي أبلغه أنه يشك في إمكان نجاح غالي. لكن غالي تجاوز الاعتراض الأميركي. وأعتقد أن فرنسا لعبت دوراً في ذلك. بالنسبة إليها، لم يكن فرانكوفونياً ممتازاً فحسب، بل أفريقياً – عربياً أيضاً. بقية القصة وخاتمتها على يد المسز أولبرايت معروفة. لقد استخدمت الفيتو في مجلس الأمن ضد 14 دولة أخرى، لكي لا يتم التمديد «للباشا» الذي تجرأ على الإكثار من اللاءات في وجهها.
حدثت المعركة، وأصبح غالي أميناً عاماً. ويروي موسى أن مندوب مصر الدكتور نبيل العربي، جاء يهنئه بالفوز فقال له: «شوف بقى يا نبيل، أنا بقيت دلوقت على قمة العالم. أنا بطرس باشا. صاحبك عصمت عبد المجيد يا دوب بيه... أمين عام الجامعة العربية. وعمرو موسى شرحو، يا دوب وزير خارجية مصر. أما أنا، بطرس باشا، على رأس العالم كله».
الذين عرفوا بطرس غالي جيداً يمكنهم أن يتخيلوا المشهد. كان باشا 98 في المائة ومصرياً 999. 99 في المائة.