&وليد خدوري&

انطلقت خلال فصل الصيف، تظاهرات مستمرة في جنوب العراق، ومن ثم بغداد، تطالب بتوفير الكهرباء والماء وفرص العمل والقضاء على الفساد. من المفروض أن دولة نفطية مثل العراق لديها الإمكانات المالية معالجة هذه الأمور.


وفق إحصاءات «أوبك»، بلغت قيمة الصادرات البترولية للعراق التي تراوحت ما بين 94.103 بليون دولار في 2012 عند تراوح سعر النفط حوالي 100 دولار للبرميل و43.684 بليون دولار عند تدهور الأسعار إلى أقل من 30 دولاراً في 2016. وبلغت مجمل قيمة الصادرات البترولية خلال الأعوام 2008-2017 نحو 709.455 بليون دولار.

ساءت الحالة العراقية نظراً إلى فقدان الأمور الأساسية، وشيوع الفساد في ظل الأموال النفطية. ومما أدى إلى تفاقم الأمور تراجع اقتصاد المحافظات الجنوبية، بخاصة البصرة باحتياطاتها النفطية العملاقة. ولانتفاضة الجنوب، أهمية سياسية خاصة، اذ تستمد الأحزاب الحاكمة منذ 2003 جذورها وقوتها من هذه المحافظات بالذات.

استلم حزب الدعوة الإسلامية زمام الحكم معظم الفترة بعد احتلال 2003، برئاسة إبراهيم الجعفري 2005-2006 ونوري المالكي 2006-2014 وحيدر العبادي منذ 2014. عكست سياسات الحزب، مع الفارق في توجهات وممارسات كلا من الرؤساء الثلاث، تهميش مؤسسات الدولة ونهب ثروة البلاد والسعي إلى ترسيخ النفوذ الثيوقراطي والإيراني في العراق.

تفاقمت سوء أحوال البلاد. اذ تم تأطير الفساد ضمن المحاصصة الطائفية والاثنية. واستمر اضعاف مؤسسات الدولة منذ الهيمنة الأميركية مروراً بالطائفية لاحقاً.

تعتمد 95 في المئة من الموازنة السنوية على ريع الصادرات البترولية. في الواقع، لم توزع الأموال على الوزارات، بل على الكتل السياسية الاثنية والطائفية المحدد لها مسبقاً وزارات معينة. ما أتاح للوزير استغلال منصبه للتصرف في أموال وزارته لصالح حزبه وشخصه وزمرته. فنجد أن 40 بليون دولار تم تخصيصها لوزارة الكهرباء منذ 2003 قد ذهب معظمها سدى. من ثم اللجوء إلى المولدات لتعويض نقص «كهرباء الدولة». الأمر الذي أدى إلى دفع المواطن فاتورتين، وتحمل التلوث البيئي للديزل والفيول أويل، وبروز مجموعات لتزويد المولدات ووقودها، مجموعات مدعومة من قبل السياسيين.

وإصافة إلى مآسي الكهرباء، التي تفاقمت في محافظة البصرة خلال هذا الصيف، مع ارتفاع الحرارة فوق 50 درجة مئوية، هناك سوء الإدارة في أجهزة الدولة الأخرى. ومنها مثلاً، انخفاض منسوب المياه في شط العرب، نتيجة عدم اتخاذ الاحتياطات الكافية قبل سنوات لانخفاض منسوب نهر دجلة بسبب بدء العمل في تخزين المياه لسد «اليسو» التركي، المخطط له علنا ومنذ سنوات. وتقليص إيران منسوب المياه في العشرات من الأنهر والروافد التي تصب في نهر دجلة.

وبدأ انخفاض منسوب نهر الفرات منذ سنوات. أدت هذه التطورات، في اخفاق التعامل معها، إلى انخفاض منسوب شط العرب، ما أدى بدوره إلى اضطرار أهالي البصرة شرب مياه ملوثة او مالحة. كما أدت إلى إلحاق أضرار بالغة ببساتين الفرات الأوسط. والسؤال: أين وزارة الري والموارد المائية، التي كان من المفروض التهيؤ لهذه الطوارئ والتحسب لها مسبقاً.

واجه جهاز الدولة ثلاث نكسات. الأولى، في عهد الحاكم الأميركي بول بريمر حيث أقال معظم المسؤولين السابقين من الخبراء والمهنيين من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. الثانية، في الفترة اللاحقة، تعيين آلاف «الفضائيين»، موظفين من دون مسؤوليات أو مهمات أو حتى دوام، يتلقون معاشات تحول للسياسيين المتنفذين الذين سعوا لتعيينهم. الثالثة، انتهاز المسؤولين ارتفاع أسعار النفط قبل 2014 لفتح باب التعيينات على مصراعيه. كما شرعت القوانين لزيادة الرواتب إلى أرقام خيالية، وإضافة إلى ملاك الدولة، من دون مراعات الشهادات والخبرات.

لم يدم وقتاً طويلاً قبل أن تواجه الحكومة تبعات هذه السياسات العشوائية التي افترضت أسعار نفط عالية لسنوات بل عقود من الزمن. ومع انهيار الأسعار في 2014، انكشفت تبعيات هذه السياسات التوظيفية.

وعلى رغم اعتدال الأسعار لاحقاً حول 75 دولار، تحملت الحكومة نفقات عسكرية إضافية لتحرير البلاد من احتلال «داعش». وعلى رغم صدور بيان مفصل للجنة نيابية حددت فيه المسؤوليات لسقوط الموصل بين ليلة وضحاها، لا يزال كبار المسؤولين قابعين في المنطقة الخضراء من دون محاسبة أو محاكمة. أدت هذه التصرفات والسياسات إلى تدهور العراق للمستوى الاقتصادي والسياسي المخزي الذي وصل اليه. كما تدل على حالة الاستياء في البلاد ومؤشرات الشفافية والاقتصادية العالمية.

إن المستغرب ليس انتفاضة 2018، أو امتناع الأغلبية الساحقة من المواطنين عن التصويت في انتخابات 2018 التشريعية. فالمستغرب هو تأخرهما حتى الآن، في ظل التدهور العراقي. والسؤال هو: ما هو المتوقع من انتفاضة الجنوب؟ هل من الممكن في حال تصاعدها، المطالبة بعقد اجتماعي جديد يساوي بين المواطنين؟ وهل من الممكن إصلاح النظام من خلال الفئة السياسية الحاكمة منذ 2003؟ وهل سيعاد النظر جدياً بتنويع اقتصاد البلاد لاتخاذ الخطوات الأولى نحو الطاقات المستدامة بدلا من الاعتماد الكلي على الريع النفطي وتقلبات الأسواق الدولية.