&جوناثان ويتلي وروجر بليتز وكلوي كورنيش وستيف جونسون من لندن
لماذا تعاني تركيا انقلابا في حظوظها؟
من الصعب أن ننظر إلى ما وراء رجب طيب أردوغان، مؤسس حزب العدالة والتنمية، الذي حمله إلى السلطة في انتصار ساحق عام 2002.
هذا الرجل البالغ من العمر 64 عاما أصبح رئيسا للوزراء عام 2003، ويتولى منصب رئيس الجمهورية منذ عام 2014.
وقد عملت السياسات المحافظة المؤيدة للأعمال على انتشال تركيا من أزمة اقتصادية. إذا استثنينا الأزمة المالية العالمية 2008-2009، فقد توسع الاقتصاد في المتوسط 7 في المائة سنويا في ظل حكم أردوغان، وفقا لصندوق النقد الدولي.
هذا التوسع، إلى جانب سكان شباب يتمتع بروح المشاريع – إضافة إلى موقع تركيا المحوري بين أوروبا وآسيا – كان عامل استقطاب للاستثمار الأجنبي المباشر.
من عشرات أو مئات الملايين من الدولارات في العقود السابقة على صعود أردوغان إلى السلطة، اندفع الاستثمار المباشر الأجنبي إلى أكثر من 22 مليار دولار عام 2007، وبلغ في المتوسط 13 مليار دولار منذ أن تولى المنصب، وفقا لأرقام من البنك الدولي.
ثم تباطأ الاستثمار المباشر الأجنبي منذ أن بدأت الهجمات الإرهابية عام 2015، وتبعتها محاولة انقلابية أوقعت البلاد في الاضطراب منذ تموز (يوليو) 2016.
تعمقت مشكلات تركيا بفعل القيادة التسلطية بشكل متزايد من قبل أردوغان وآرائه غير التقليدية حول أسعار الفائدة، التي وصفها بأنها "أصل جميع الشرور" من منطلق أنها من الربا.
تبين أن هذا الرأي يُحدث الخلل في السياسة النقدية، ما جعل البنك المركزي التركي يعترك لاحتواء التضخم، الذي يبلغ الآن نسبة قريبة من 16 في المائة.
أسعار الفائدة الرسمية المتعددة، و"ممر أسعار الفائدة"، جعل السياسة النقدية معتمة وغير فعالة. في الفترة الأخيرة كانت هناك خطوة تهدف إلى توحيد أسعار الفائدة الرسمية، لكنها أخفقت في إيقاف التراجع في قيمة الليرة.
ما الذي أثار خوف المستثمرين على وجه التحديد هذا العام؟
كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في حزيران (يونيو) الماضي، لحظة حاسمة. وعود الإنفاق التي تهدف إلى حشد الدعم الشعبي عملت على تقويض سمعة حزب العدالة والتنمية من حيث الانضباط في المالية العامة وأثارت التضخم.
شعر المستثمرون بأقصى قدر من التخوف حين شجب أردوغان، خلال خطاب له ألقاه أمام رجال الأعمال في لندن في أيار (مايو) الماضي، مرة أخرى الارتفاع في أسعار الفائدة، وقال إن الأسعار المرتفعة تتسبب في إثارة التضخم بدلا من علاجه.
بعد إعادة انتخابه في حزيران (يونيو) الماضي، منح الرئيس نفسه سلطة خولته تعيين محافظ البنك المركزي في تركيا. وقد اعتبر تعيينه اللاحق لصهره بيرات البيرق ليتولى وزارة الخزانة والمالية، على أنه تشديد لقبضته على السلطة.
أصر مراد تشيتينكايا، محافظ البنك المركزي، في أواخر تموز (يوليو) الماضي، على أن المصرف يعمل من دون أي تدخل سياسي، لكن بالنسبة لكثير من المستثمرين تسبب قرار المصرف في إبقاء أسعار الفائدة على حالها في الشهر الماضي في تقويض ذلك الادعاء.
قال تشارلز روبرتسون، كبير خبراء الاقتصاد في شركة رينيسانسكابيتال: "وصلت (الليرة) إلى هذا المستوى الرخيص لأن الناس جميعا فقدوا الثقة".
ما العواقب المترتبة على تراجع الليرة؟
تبين أن من الصعب على الشركات التركية ذات الديون المقومة بالدولار واليورو خدمة ديونها. وفقا لتحليل من قبل بنك إتش إس بي سي، تتحمل المصارف والشركات في البلاد نحو 70 مليار دولار من الديون واجبة السداد من الآن حتى أيار (مايو) من 2019.
حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، من أن من المرجح أن تكون الشركات التي تعاني الضغوط المالية أقل قدرة على الدفع، ما يجعل المصارف مثقلة بالديون المعدومة. ويركز المستثمرون الآن على المصارف، مع انخفاض مؤشر مصارف إسطنبول في البورصة 33 في المائة هذا العام، مقارنة بانخفاض 18 في المائة في سوق الأسهم التركية الأرحب.
قال ستيف درو من جانوس هندرسون للمستثمرين، الذي باع الصندوق أصوله التركية في الربع الأول؛ لأن الليرة الآخذة في التراجع سريعا كشفت الضعف في الشركات التركية الذي "كان بالإمكان تجاهله" مسبقا، مثل أعباء الديون الثقيلة قصيرة الأجل والقروض غير المنتجة؛ "لأنه في تركيا يمكنك الحصول على عائدات جيدة".
في حين كان المستثمرون الأجانب من المشترين الصافين للأسهم التركية العام الماضي، إلا أنهم سحبوا 771 مليون دولار من الشركات المدرجة في البورصة خلال الربع الأول من هذا العام، وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن وكالة التأمين على ودائع الأوراق المالية المركزية التركية.
هل تتسبب العوامل الخارجية في الضرر لتركيا؟
الليرة التركية مكشوفة منذ وقت طويل أمام حاجة تركيا إلى تمويل عجز في الحساب الجاري يصل إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن حدوث خلل خلال الأسابيع الأخيرة في العلاقات مع الولايات المتحدة حول اعتقال قس أمريكي بتهمة التجسس والإرهاب زاد من الضغوط.
انخفض مؤشر بورصة إسطنبول 100، مؤشر الأسهم المعياري في تركيا، 3 في المائة في الثاني من آب (أغسطس) الجاري، في اليوم الذي تلا إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات مالية على وزيري العدل والداخلية التركيين فيما يتعلق بالقضية.
قال تيم آش، الخبير الاستراتيجي في شركة بلوباي لإدارة الأصول، إنه في الوقت الذي كان فيه تأثير العقوبات "محدودا جدا" حتى الآن، في الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد التركي في هذه المرحلة الحرجة، "يتبادر إلى الأذهان المثل القائل القشة التي قصمت ظهر البعير".
كما كان لسعر النفط، الذي ارتفع بأكثر من 40 في المائة على مدى الشهور الـ12 الماضية، بمنزلة عائق؛ لأن تركيا مستورد صاف كبير للنفط الخام.
ما السيناريوهات المحتملة؟
يقول المستثمرون والمحللون، إن أفضل السيناريوهات المحتملة هو أن البنك المركزي سيرفع أسعار الفائدة، ويضع التضخم تحت السيطرة ويستعيد الثقة.
قالت تاتيانا أورلوفا من وكالة إميرجينوميكس: "من السهل جدا على الاقتصاد أن يتسارع بقوة حين لا تكون السياسة النقدية صارمة بما فيه الكفاية. كان هنالك عدد من المناسبات عندما كان من المتوقع أن يعمل البنك المركزي على تشديد السياسة النقدية لكنه لم يفعل ذلك".
نظرا لأن النمو قوي، مع انخفاض ديون الأسر والدين العام؛ حيث يصل الدين الحكومي إلى 28.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وديون الأسر إلى 17.4 في المائة - من المحتمل أن يؤدي هذا إلى تحقيق حل سريع لأزمة العملة في تركيا.
سيتباطأ الاقتصاد، لكن في وقت يطرح فيه بعض المستثمرين الفكرة التي مفادها بأن تركيا ربما تختار في نهاية المطاف فرض ضوابط على رأس المال أو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وستبدو البدائل حينها واقعة في فوضى كبيرة.
الارتفاع في أسعار الواردات، بفضل تعثر الليرة، إلى جانب الارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض مع خروج المستثمرين الأجانب، سيؤدي إلى سلب الحيوية من اقتصاد تركيا، وهو ما ينذر بخطر مزيد من الضعف في الليرة التركية.
شركة كابيتالإيكونومكس الاستشارية، لديها حسابات مبدئية تشير إلى "فصل أو فصلين من النمو السلبي لهذا العام"؛ بعبارة أخرى، احتمالية حصول ركود، على الرغم من أن معظم المتنبئين أقل تشاؤما من ذلك. يتوقع صندوق النقد الدولي حصول تباطؤ في النمو ليصل إلى 3.6 في المائة عام 2020.
قد يساعد تباطؤ النمو على تراجع التضخم، لكن التداعيات قد تكون واسعة الانتشار، ويمكن أن تؤدي إلى إثارة سخط عام. ويشعر بعض المحللين بالقلق من أن أردوغان ذا التوجهات الشعبوية الذي قال مرارا وتكرارا إن الأولوية لديه هي ضمان النمو المرتفع، قد لا يكون مستعدا لتحمل دورة التباطؤ.
التعليقات