&علي حسن الفواز

إذا كان البعض قد فسّر الحرب بأنها سياسة على درجة عالية من العنف، فإن ماتشهده منطقتنا من صراعات سياسية تكشف عن أن خطوط هذه الحرب تعمد الى تشويه لعبة تلك السياسة، وأن تضخّم ازماتها تُحيل الى فرضية العودة الى فكرة الهيمنة، والى تفكيك مركزيات الجغرافيا السياسية، ولصالح وحدات صغيرة لاتُجيد صناعة الحرب، ولا تعرف تداول السياسة إلّا من خلال تابعيتها للمنتصر الكبير، أي صانع المهيمنات العسكرية والامنية والسياسية والثقافية..

صناعة القوة والترويج لها هو الأفقُ الذي تتحرك فيه المعادلات السياسية في المنطقة، وهي الرهان الامريكي على تأطير نظرية الهيمنة، وعلى تدمير أي توجّه لقوى اقليمية، أو حتى دولية تطمح أنْ تطرح نفسها للمنافسة، أو للمواجهة ولصياغة معادلات امنية ضدية في المنطقة..

التلويح الامريكي ببقاء القوات العسكرية في العراق وسوريا، والجدل حول بقاء قوات أو خبراء من ايران في سوريا يعني الاشارة الى طبيعة الأزمة، كما أنّ مواصلة لعبة فرض العقوبات على ايران وتركيا وروسيا، وتضخيم توجهات السياسة الضريبية الامريكية إزاء الصين واوربا وكندا يعكس مواقف قصدية للولايات المتحدة ازاء حلفائها، على مستوى النظر الى مفهوم(الرأسمال العالمي) وادارته، والتحكّم بسياساته، أو على مستوى الادوار التي يمكن أنْ تلعب هذه الدول في مناطق الازمات في العالم أو في المناطق الساخنة الأخرى، او على مستوى التعاطي مع طبيعة الحلول المطروحة حول القضايا الخلافية في فلسطين وفي سوريا، وحول ملف الارهاب في المنطقة، فضلا عن ملف اعادة سوريا، فضلا عن ملفات التجارة العالمية والنفط والغاز..

الهيمنة والسياسة.

من الصعب جدا وضع السياسة خارج الحرب، ولا حتى اخراج التجارة بعيدا عن السياسة، فكلّ مايدور يرتبط بشكلّ أو بآخر بالمفهوم الامريكي للهيمنة، ولفرضيتي السياسة والحرب، ولمفهوم صناعة القوة، إذ باتت الخيارات الامريكية مفتوحة على اعادة صياغة أطر هذه الصناعة، وحتى على تحديد سياقات تداولها، والذي يعني- على وفق المفهوم الامريكي- تحجيم ادوارها والتضييق على اسواقها،& وفرض الحصار الاقتصادي والسياسي عليها، ليس بغية تغييرها حسب سياق نظرية(الفوضى الخلاقة) بقدر ما هو اجبارها على الدخول في التداولية الامريكية لمفهوم الهيمنة، ولاعادة انتاج ثنائية الكبار والصغار الاستعمارية القديمة..

إنّ تغويل السياسة وتعقيد مساراتها تعني تغويلا لفكرة الهيمنة، ولاعطاء توصيف آخر للسياسة، ومن منطلق تجاوز &اطارا المصالح المجرد، الى اطار لسيطرة والهيمنة، ولاخضاع العالم الى جملة من الخيارات التي تعوّق في النهاية صناعة( اغنياء جدد) وابطال آخرين ذات نزعات ثورية ورومانسية على الطريقة الجيفاروية..

وحتى مفهوم الهيمنة لايعني اخضاعا للقوة العمومية، بقدر مايعني اخضاعا للحاجة، ولما يشبه تبرير النزعات البرغماتية، والتي لاتنفصل أصلا عن مرجعيات(العقل الامريكي) وتوجهاته التي صارت أكثر عنفا، وأكثر تعبيرا عن التغيّرات الحادثة في الصراعات الدولية، وفي طبائع القوى الجديدة التي تتبلور افكارها حول أطروحات راديكالية، ونزعات أكثر عنفا للاسلام السياسي باصولياته العصابية والتكفيرية..

السياسة والخارطة المشوهة.

فرض العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا هو المدخل التأطيري لمواجهة القوة الروسية الجديدة، ولقطع الطريق على أيّ دور لها في العالم وفي الشرق الاوسط، بما فيه محاولات قطع طريق الغاز الذي يفرضه الروس على أوربا، فضلا عن قطع الطريق للوصول الى مايُسمّى ب(المياه الدافئة) بمافيها الملاذات التي تدخل في لعبة الحروب والمصالح.

كما أنّ فتح ملفات الحرب التجارية مع الصين وأوربا وكندا ليس بعيدا عن رهانات تلك الهيمنة، والتي تعني في جوهرها ربط الاداءات السياسية بالخارطة المشوهة، حيث يختلط التاريخي بالاقتصادي، والرمزي بالواقعي، والمركزي بالهامشي، وعبر وضع العالم أمام تحديات من الصعب ضبط ايقاعها، فضلا عن وضع الشرق الاوسط أمام مايشبه ضياع البوصلة، حيث تتأزم معطيات الصراع السياسي، مقابل النزوع &الى تفكك عميق في الدول والمجتمعات، وعبر صعود الجماعات والقوى غير المؤمنة اصلا بفكرتي الدولة والمجتمع، وعنفها لابدالها بمفهومي الجماعة والمّلة، وهي تأطيرات تنتمي الى الفقه وليس الى العقل السياسي.

إنّ طبيعة المتغيرات في التعاطي مع الملفات السياسية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وحتى في ايران ولبنان وفلسطين يعكس هذا المعطى، ومسار الخيارات المفتوحة التي تلعب عليها امريكا، والتي تُعيدنا الى فرض نظرية الهيمنة بكل حمولاتها وشروطها، وبما يجعل القوة الامريكية الجديدة تمارس لعبة القصف بالسياسة أكثر من القصف العسكري ذي الخسائر الكبيرة..

&&