& صالح القلاب

&&

حتى لو ثبت وبكل «الأدلة» القاطعة المانعة أنه ليس للمملكة العربية السعودية أي دور ولا أي علاقة باختفاء مواطنها الصحافي جمال خاشقجي، الذي اختفى بعد خروجه من «قنصلية» بلده بإسطنبول في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فإن الذين كانوا وما زالوا خلف هذه الكذبة، التي من المفترض أنها غدت مكشوفة وواضحة وأنها معدّة سلفاً ومنذ فترة سابقة بعيدة، لا يمكن إلا أن يواصلوا «فبركاتهم» وأكاذيبهم للإساءة إلى هذا البلد العربي الكبير الذي من المعروف أنه الوحيد، ومعه بعض «دول الخليج»، الذي تصدى - ولا يزال - للتمدد الإيراني في هذه المنطقة.
ولعل ما تجب الإشارة إليه في البداية هو أنه قد ثبت وبالأدلة القاطعة أن أصحاب المصلحة الحقيقية في تشويه صورة هذا البلد العربي قد بادروا، ومبكراً، حتى بينما كان جمال خاشقجي لا يزال في الولايات المتحدة وربما قبل ذلك، إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة متخصصة في «الفبركات» وصناعة الأكاذيب وإلصاقها بهذه الدولة العربية.


والدليل على هذا أنه ما إنْ دخل هذا الصحافي السعودي قنصلية بلده حتى بادرت دبابير غرفة العمليات هذه، التي كان قد تم إعدادها سلفاً للإساءة للمملكة العربية السعودية، إلى نسج مسرحية خاشقجي هذه.
والغريب أن صحفاً غربية كبرى لم تدقق في روايات غرفة العمليات المشتركة هذه وأكاذيبها، وأنها دأبت على بث ونشر كل ما صدر ولا يزال يصدر عن هذه «الغرفة». وهنا؛ فأغلب الظن أن الأموال كان - ولا يزال - لها دور رئيسي في هذا المجال، وإلا ما معنى أن تتلقف هذه الصحف كل ما كان يروج من إشاعات حول هذه المسألة التي كانت - ولا تزال - غامضة، من دون التدقيق في أي منها ولو من قبيل الحفاظ على مصداقية بقيت متوارثة على مدى سنوات طويلة.
وعليه؛ فإن ما يؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نفسه قد ضاق ذرعاً بما كانت تتداوله حتى بعض وسائل الإعلام التركية الرسمية، وبما كان يقوله ويردده بعض كبار المسؤولين الأتراك، أنه، أي إردوغان، قد أدلى بتصريح وهو لا يزال في طريقه من بودابست إلى أنقرة قال فيه: «إنه لا يمكن أن نبني مواقفنا وردود الفعل على الافتراضات»، لكن رغم ذلك، فإن الأوساط المحسوبة على الإخوان المسلمين؛ أتراكاً ومصريين وسوريين... وغيرهم، لا تزال تتمسك بكل هذه الروايات آنفة الذكر وبطريقة: «يكاد المريب يقول خذوني»، على أساس أن هناك من ترسخت لديهم شكوك بأنه غير مستبعد أن هؤلاء هم «الطرف الثالث» الذي لا يُستبعد أن يكون هو المسؤول عن هذه الجريمة إمعاناً في تشويه صورة المملكة العربية السعودية.
إنه لا ضرورة للتطرق لمسألة مجيء جمال خاشقجي من الولايات المتحدة إلى تركيا، ما دامت هناك لجنة تركية - سعودية تنهمك الآن في التحقيق والتدقيق في حيثيات كثيرة بالنسبة لهذه المسألة التي هي في غاية الخطورة، وأيضاً ما دام هناك بعض المحققين الأميركيين وربما غيرهم يشاركون في هذه المهمة التي لا بد من أن تضع النقاط على الحروف في النهاية.
ولذلك؛ فالأوْلى إلقاء مزيد من الأضواء على هذا «الاستنفار» الذي كان جاهزاً ومجهزاً حتى قبل أن يذهب خاشقجي إلى قنصلية بلده في إسطنبول، ثم إنه لا يعقل أن تبادر وسائل إعلام كثيرة؛ بعضها عربية، وهي معروفة بالطبع، إلى ترويج روايات تشبه روايات «أرسين لوبين» بعد فترة قصيرة من دخول الصحافي السعودي إلى القنصلية السعودية، وكل هذا استناداً لرواية من ادعت أنها «خطيبته» التي كانت قد تعلمت اللغة العربية في سلطنة عمان، ثم بعد ذلك انتقلت إلى الدوحة، حيث إنه غير معروف حتى الآن لماذا هذا الانتقال، ومع أي جهة وأي جهاز قد عملت خلال وجودها في إمارة قطر «الشقيقة».


وأيضاً؛ فإن ما أثار - ولا يزال - تساؤلات كثيرة؛ وهي تساؤلات لا بد أن اللجنة التركية - السعودية آنفة الذكر سوف تتطرق إليها وسوف تناقشها بمنتهى والجدية، هو: لماذا يا ترى لم ترافق هذه الفتاة خطيبها إلى داخل قنصلية بلده، ما دامت تدّعي أنها خطيبته التي من المفترض أنها حريصة عليه، والتي كان يجب أن تكون شاهد عيان في حال تعرضه لأي سوء وأي إساءة؟!
وهنا؛ فإن الواضح أن الذين بادروا إلى افتعال هذه المعركة الإعلامية الظالمة ينطبق عليهم ذلك المثل الشعبي القائل: «المسألة ليست مسألة رمانة وإنما قلوب ملآنة»، وأن هؤلاء لو أن «مسرحية» جمال خاشقجي هذه لم تكن؛ لاغتنموا أي فرصة أخرى لشن هذه الحرب الظالمة على السعودية؛ الدولة التي تعدّ جدار الأمة العربية المنيع.
ويقيناً أنه غير مستبعد؛ لا بل هو مؤكد وأكثر من واضح، أن الذين لجأوا إلى كل هذا الاستعراض الاتهامي للمملكة العربية السعودية، ومعهم بعض حثالات المتساقطين الذين تخلوا حتى عن القضية الفلسطينية وانحازوا إلى مصالحهم الخاصة... قد يكون بعضهم هو «الطرف الثالث» المشار إليه وقد يكون بعضهم الآخر مسانداً له.


ثم إن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنه كان هناك في حالات كثيرة من يختطف الجرائم من أصحابها الرئيسيين من أجل مصالحهم الخاصة، وهؤلاء هم «الطرف الثالث» الذي يجري الحديث عنه دائماً وأبداً، فقد كان هناك، على سبيل المثال لا الحصر، اغتيال الزعيم المغربي المعارض المهدي بن بركة الذي أشرف على اغتياله في باريس عام 1965 وزير داخلية المغرب في ذلك الحين الجنرال محمد أوفقير ومعه مدير المخابرات أحمد الدليمي، وقد ثبت بالأدلة القاطعة بعد ذلك الانقلاب الفاشل الذي قام به لاحقاً هذا الجنرال ضد العاهل المغربي، أن هدف عملية الاغتيال هذه هو التخلص من رمز المعارضة المغربية بوصفه منافساً رئيسياً، وأيضاً استهداف شعبية الملك الحسن الثاني ومكانته المعنوية مغاربياً وعربياً ودولياً، والذي كان قد أعلن بعد هذه المحاولة الانقلابية آنفة الذكر أن من اغتال بن بركة هو من تآمر عليه وحاول اغتياله.
وكذلك، فإن ما تجدر الإشارة إليه أيضاً هو أنه كان هناك وفي حالات كثيرة من يختطف الجرائم من أصحابها الرئيسيين من أجل مصالحهم الخاصة وهؤلاء هم الطرف الثالث الذي يجري الحديث عنه دائماً وأبداً.
هذا هو المثال الأول. أما المثال الثاني، فهو تغييب الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر واثنين من رفاقه معه، عندما كان في زيارة لجماهيرية القذافي في عام 1978، فقد كان هناك سببان لعملية التغييب هذه والاغتيال؛ هما: أولاً التخلص من قائد ديني وسياسي كان من الممكن أن يشكل عقبة في طريق انتصار الثورة الخمينية في عام 1979. وثانياً أنه رفض الاستجابة لطلب من حافظ الأسد بإخراج المقاومة الفلسطينية من الجنوب اللبناني وانتقالها إلى سوريا، ليصبح القرار الفلسطيني في يده حيث مفاوضات عملية السلام مع الإسرائيليين في ذلك الحين كانت على الأبواب.
وأيضاً؛ فإن هناك من يقول إن طرفاً ثالثاً كان وراء اغتيال ليون تروتسكي في المكسيك عام 1940، واسمه الحقيقي ليف ديفيدوفيتش، الذي كان قد لجأ إلى أميركا اللاتينية هرباً من ديكتاتور الاتحاد السوفياتي في ذلك الحين جوزيف ستالين، لكن هناك من قال في ذلك الوقت لا بل إن اغتياله بتلك الطريقة المرعبة قد كان لتحريض يهود روسيا الذي هو منهم ضد هذا الديكتاتور المستبد، وأيضاً لتشويه صورته في كثير من الدول الأوروبية التي كانت أحزابها الشيوعية قوية ورئيسية.