&أسامة سرايا

&

فى منطقتنا أحداث جسام، تعكس ما تمر به من تطورات، ويتأثر بها مستقبل الإقليم كله.. إذا لم ننتبه، فستجرفنا بطوفان من التحليلات، وقد تكون شيقة، أو مثيرة، أو محزنة، أو مؤسفة، ولكنها ستخفى فى طياتها ما وراءها من مقاصد، أو عمليات ابتزاز، أو إضعاف، أو تغيير للاتجاهات، أو تغييب للحقائق، أو نقل الوجهة إلى مسارات أخرى، واتخاذ مواقف عكسية تضعف شعوبنا، وتقلل من تأثير سياساتها، سواء كانت قوية أم ضعيفة!

&ولعلنا، فى الشرق الأوسط، نعيش مرحلة من الاضطرابات، والحروب الصغيرة والكبيرة، تفاعلت بقوة فى العقد الأخير، بعد أن تحولت معظم الصراعات إلى صراعات داخلية، بين طوائف محلية، تعيش فيها، وتتعايش حولها، وهذا أمر يختلف عن الصراعات الدامية مع أطراف خارجية معروفة، يسهل فيها تحديد الطرف الذى يجب أن نقف معه.

هذه التشابكات خلقت تربة خصبة، وصبت مزيدا من الوقود لاستمرار هذه الحالة، بهدف إضعاف المنطقة العربية، وإبعادها عن الأولويات الصحيحة.

ولعل آخر هذه الحوادث، ذلك الحادث المؤلم الذى جرى للصحفى أو السياسى الإسلامى السعودى جمال خاشقجى فى إسطنبول، فقد تحول مقتله إلى أداة للضغط على السياسة السعودية بالكامل، بداية من الفريق الإقليمى، ويتكون من الجماعات الإسلامية، والتركية، والقطرية، والإخوان المسلمين، للاستفادة من الحادث إلى أقصى درجة، والتأثير على مجمل سياسات السعودية الإصلاحية حتى لا تواكب العصر، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية، ونهاية بفريق آخر فى أوروبا وأمريكا، وجدها فرصة لإشاعة حالة من الكراهية، أو الشعبوية،

&

أو الدينية، أو للضغط من أجل صفقات متنوعة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، أو إبعادا للسعودية عن مواقفها السياسية المعتدلة، أو إخراجها من السوق العالمية الاقتصادية، والبترولية تحديداً. متناسين أن قرار القيادة السعودية، بالمبادرة والمحاسبة والاعتراف، وتقديم مرتكبى الجريمة إلى العدالة، يمثل، فى حد ذاته، كشفا لملابسات الحادث، وسيراً فى طريق تحقيق العدالة، وأن الدولة السعودية أعادت، بهذا القرار الحاسم، ملابسات ذلك الحادث الصعب، والدقيق، والمكلف، إلى السياق الطبيعى والقانونى والقضائى .

وبالرغم من ذلك، لم يتوقف فريق المزايدين عن استغلاله، والدفع به فى اتجاه يخدم مصالحهم، فيؤثر على مجمل السياسة السعودية، بإغراق المنطقة بسيل من الشائعات المغرضة، تعمل على إضعاف الدولة السعودية، والتجهيل بالسياسات الإصلاحية الكبيرة، والتطورات غير العادية التى تشمل كل جوانب الحياة فى السعودية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ولا يتوقف هؤلاء المزايدون عن الظهور والمتابعة للحادث، بداية من الأخبار إلى التحليلات السياسية، ولا هدف من ورائها إلا إضعاف السياسات والإصلاحات التى يقودها الملك سلمان بن عبد العزيز فى السعودية.

وقد كشف حادث خاشقجى الوجه القبيح للشركاء الإقليميين فى تركيا، وإيران، وقطر، كما كشف أيضا أن استغلاله يصب فى مصلحة تقوية فريق على آخر، وذلك باستخدام خطأ، أو حادث عارض، للتأثير على مستقبل الإقليم الذى يخوض صراعات متنوعة مع كل الشركاء الإقليميين، سواء إيران، أو تركيا أو إسرائيل، ويعيش حالة من فقدان الاتزان والوعى والضعف، بعد تطورات مخيفة، صاحبت ما عرف باسم الربيع العربى، وخلقت أكثر من قضية عربية مزمنة، سياسية أو إنسانية، فى سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، ولبنان، والصومال.

بالإضافة إلى قائمة أزمات أخرى، تتقدمها الأزمة الكبرى فى المنطقة، قضية الشعب الفلسطينى، فهو يعانى منذ أكثر من 8 عقود الطرد من أراضيه، والاحتلال الاستيطانى، والضرب بهويته، ومصالحه، عرض الحائط من إسرائيل، ومن كل القوى الدولية فى العالم المعاصر، فى أكبر جريمة إنسانية، لا يمكن لأى ضمير إنسانى أن يتناساها، أو يتجاهلها، وكذلك لم تحل أزمة العراق، وقد نتجت عن الاحتلال الأمريكى المباشر، وقد سلم العراق للنفوذ الإيرانى.

فالأزمات الحالية كشفت أن كل جيراننا الإقليميين يحاولون انتهاز الفرص، لمزيد من الإضعاف للجسم العربى المتهالك، ولعل آخرها محاولة إسرائيل استخدام سلطنة عمان للوساطة مع إيران، ثم إظهار الوساطة وكأنها من أجل حل قضية فلسطين! بينما أرى شخصيا أن قضايانا العربية لن يحلها إلا التعاون العربى - العربى، فلا تراهنوا على أنه سيكون للأمريكيين أو الأوروبيين أو الإسرائيليين اليد العليا على القرار العربى، وعلى النفوذ فى المنطقة العربية، ويجب أن تعرف إسرائيل وإيران وتركيا، أنه بالرغم من محاولات إقامة علاقات عربية معهم، فإن رسالة السلام إليهم، لن تكون على حساب مصالح الشعوب، وأن الانخراط فى أى مفاوضات لن ينجح، إذا أسقط من اعتباره المصالح العليا للشعوب العربية.

فالقرارات المصيرية للعلاقات الطبيعية ليست فى يد الحكومات وحدها، وإن كانت الحكومات قادرة على إقامة علاقات وإرسال رسائل سلام، فإن القرار سيكون فى يد الشعوب، وهى قادرة على إرسال رسالتها إلى الحكومات والعالم.

هذا ما يجب أن تفهمه إسرائيل، وكذلك إيران وتركيا، فقد اهتزت العلاقات العربية مع هؤلاء الجيران، وعليهم أن ينتبهوا إلى رغبات الشعوب العربية، كما أن الحكومات العربية عليها أن تعيد النظر فى السياق الحالى، وتعيد تقوية العلاقات البينية العربية - العربية، وكذلك إعادة النظر فى بناء نظام عربى جديد.

وقد كشفت التطورات الأخيرة أن بهذا النظام كثيرا من الثقوب والضعف، وتم استغلالها من الذين يريدون إضعاف العرب، وتهميشهم، والعرب هم من يشكلون الأغلبية، والقوة الحقيقية فى المنطقة، أما حالة الضعف، الراهنة عربيا، فهى عرضية، ولا يمكن الحكم بالحالة الراهنة على مستقبل الإقليم، واعتبارها حالة أبدية، لا يمكن تغييرها.