&أحمد الحناكي&

من الصعب جداً، بل من المستحيل أن تكتب عن الوطن وتصبح محايداً، لكن من السهل جداً أن تصبح وحشاً كاسراً ضد أعدائه إذا كنت على وجه حق، وفي قضية المرحوم جمال خاشقجي لم يدع الآخرون لنا خياراً إلا أن نقف ضد الغريب.


عندما بدأت قضية اختفاء خاشقجي ثم الاتهامات التركية وبعدها الغربية بدا الشارع السعودي يشعر بالقلق، وفي الوقت نفسه كان هناك الهاجس والخوف من أن تتدخل القوى الاستعمارية وغيرها من المرتزقة لتتكرر مأساة دول الربيع العربي. الخوف كان مبرراً، فسيناريو الأحداث يشير إلى أن القضية أكبر من جريمة قتل بشعة لمواطن في سفارة بلاده، غير أن كل هذا ولّد لدى الجميع شعوراً بالاتحاد والوحدة أكثر من أي وقت مضى.

كما كتبت في مقالة من قبل أنني لا أستطيع أن أنزع قضية المؤامرة من عقلي وأنا أرى اتهامات مسبقة وانتقادات غير منطقية وطلبات أكثر غرابة، وخصوصاً مع إصرار الأتراك في كل مرة وآخرها أول من أمس الخميس عندما صرح الأتراك أن الأجوبة السعودية غير مقنعة.

أردوغان قال إنه أطلع الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين والألمانيين فضلاً عن السعوديين على التسجيلات التي يزعم فيها أنها تخص جمال خاشقجي، أفهم اطلاعه السعوديين، لكنني لم أفهم أساب اطلاعه الآخرين على الشريط، من وجهة نظري هو يحاول استخدام الغرب لتشكيل ضغوطات على المملكة، لكنه خسر بذلك الكثير من مؤيديه لأنهم لمسوا الانتهازية والابتزاز من معالجته للقضية.

بيان النائب العام السعودي أول من أمس الخميس كان واضحاً وجلياً من دون لغة انفعالية أو عاطفية، وهو خطوة صحيحة وقوية تجاه مخاطبة الرأي العام العالمي قبل أن يكون رداً على المطالبات التركية غير المنطقية، مثل إصرارهم على تحديد المسؤول الأول الذي وجّه الأمر بقتل المرحوم جمال خاشقجي. كل هذا يذكرني بالأسئلة المغلقة التي ينتهجها بعض الباحثين عندما يسأل في الاستفتاء لماذا فلان من الناس قتل فلانة بينما المتهم فلان لم يعترف أصلاً بأنه قاتل، هذا جانب والجانب الآخر طلبهم تدويل القضية أو تحقيقاً مستقلاً، وهو انتهاك واضح لاتفاق فيينا في كل ما يتعلق بالحصانة الديبلوماسية.

في كل القضايا الديبلوماسية التي حدثت في العالم منذ الاتفاق لم يحدث أن تنازلت دولة عن حقها السيادي فلماذا نحن؟! اللجوء للإعلام الغربي أو الدول الغربية لن يجدي أردوغان نفعاً، فهو طالما هاجم الغرب وإعلامه فلماذا يريدنا يا ترى أن نتنازل أو ننحني هذه المرة من أجل رغباته؟

من جهة أخرى، أعتقد أن بيان النائب العام وتصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير كانت حازمة وملجمة وكافية، فإذا كان للأتراك مستندات فليسلموها للمملكة فهي من تتولى التحقيق، لكنهم سينتظرون طويلاً إذا طمعوا بأن المملكة ستقبل بطلباتهم مع الإشارة إلى أن الحديث عن أدلة بمعيتهم يعيدنا مرة أخرى إلى التساؤل الأخطر وهو؛ من أين لكم أدلة وتسجيلات والحدث داخل السفارة إن لم يكن تجسساً؟ نعم هناك جانب أخلاقي يؤخذ في الحسبان على الجناة وعلى المملكة كونهم سعوديين، لكن كل هذا من دون قيمة قانونية، فما بني على باطل فهو باطل.

في الأخير، قلبي مع عائلة زميلنا المرحوم جمال خاشقجي، فموته بهذه الطريقة كان ظلماً له ولعائلته ولكل إنسان بريء، والأبشع من هذا كله هو استغلال الأتراك والغرب وبعض أبواق الإعلام العربي والغربي هذه الجريمة لتصفية حسابات لا علاقة لها بالقضية بتاتاً.