&أمين ساعاتي

في الأيام القليلة الماضية تداولت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي أخبار تنفيذ مشروع نفق شارع قابل وشارع الذهب في جدة التاريخية، وألمحت الأخبار إلى أن المشروع سيجعل من شارع الذهب تحفة أثرية وفنية تليق بمكانة منطقة أثرية وضعتها منظمة اليونسكو العالمية في قائمة التراث العالمي. والواقع أنني كلما سمعت عن مشروع لجدة التاريخية، فإنني أجمع أطرافي على عجل، وأقوم بزيارة ميدانية لجدة التاريخية المبهرة، لأن هذه المشاريع تبعث الأمل في منطقة سعودية انضمت ــ بكل فخر ــ إلى قائمة التراث العالمي. إن أول ما لفت نظري وأنا أقوم بزيارة تقاطع شارع قابل وشارع الذهب اللافتة المعلقة على المشروع التي نقش عليها اسم وزارة الثقافة، وكذلك كتب عليها أن المشروع ضمن تحسين المسارات السياحية في جدة التاريخية، وأن وزارة الثقافة مع أمانة محافظة جدة مسؤولتان عن تنفيذ المشروع الثقافي التراثي. والواقع أن دخول وزارة الثقافة ــ مع بداية تأسيسها ــ بقيادة الوزير الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود في مشروع إعادة إعمار وترميم المناطق الأثرية يسجل للوزارة الجديدة ولوزيرها المثقف الذي أحس بأهمية دخول وزارته في مجال من أهم المجالات الثقافية والتاريخية المهمة جدا.

&

إن مشروع ترميم المناطق الأثرية جزء مهم في مشاريع "رؤية السعودية 2030". ويحضرني بهذه المناسبة ما سبق أن قاله الأمير محمد بن سلمان: إن من غير المعقول أن يبزغ فجر الإسلام من هذه الأرض المقدسة وليس فيها متحف إسلامي يعرض آثار هذا الدين الأقوم، وكذلك حينما قال: سنُعنى بالمسرح والسينما والترفيه بعامة بما لا يخالف شريعتنا الغراء. ولكم أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد فيها منشآت ثقافية، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية ــ بحمد الله ــ كل أرجاء مملكتنا الفتية. إذا كنا نسلم أن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك بين كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وأقل من المأمول بكثير. والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية الشاملة أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت غير فعالة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية الشاملة. إن منشآت التنمية تنتشر في كل مكان من مملكتنا الفتية، فمثلا في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة.

حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أما نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه. إذن لا تثريب على وزارة الثقافة بقيادة الأمير المثقف بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود أن تباشر بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعيد ترميمها ونتيحها للزيارات السياحية للأفواج المحلية والخارجية. إننا ــ بهذه المناسبة ــ نحتاج إلى تعريف الناس بأهمية الثقافة ودورها في بناء الأمة وتنوير الشباب "ولا ننسى أننا في عصر الشباب"، حتى يقتنع من يستنكر الثقافة بأهمية الثقافة ودورها في التوعية والتنوير وبناء الوطن. وإذا كنا نصف المملكة جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد.

وهنا أتساءل إلى متى نبقى دون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية، وإلى متى نقبل أن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمي الثقافة بمخالفتها للتقاليد والشرائع؟! إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى ــ كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى ــ سيغير من قناعات من كان يستنكر كثيرا من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي. إننا نعتبر أن وزارة الثقافة هي أولى وأهم المؤسسات الثقافية في المملكة، ونتمنى من وزارة الثقافة أن تطرح مشروعا كاملا عن أنشطة القوى الناعمة، وأن تشرع في بناء مؤسساتها مثل بيوت الثقافة، والأكاديميات الثقافية، والمتاحف الوطنية، والمكتبات الوطنية ودور العرض المسرحي والسينمائي... إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.