رؤوف أبو زكي

 للمملكة العربية السعودية في لبنان مبادرات إيجابية كثيرة، وهناك سجل طويل (بات معروفاً للقاصي والداني) من أشكال الدعم السعودي التي لا تحصى، والتي مكّنت لبنان في المنعطفات الحرجة من الصمود والاستمرار، وحمت النقد اللبناني وساهمت في إعادة إعمار القرى والمرافق والبنى التحتية، ولا سيما بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006. وقدمت دول الخليج وصناديقها وبدفع من المملكة في أحيان كثيرة مليارات الدولارات من المساعدات وقروض التنمية إلى لبنان، لكن السعودية قدمت إلى ذلك الدعم السياسي لاستقلال لبنان، وأيدت دوماً سياسته المتوازنة المنفتحة على الجميع، ولم تطلب منه في أي وقت أي شروط سوى مراعاة المصلحة المشتركة والصداقة، وبهذا المعنى وبسبب ثقليها الخليجي والدولي، فإن الحفاظ على السعودية في صف الأصدقاء والحلفاء الداعمين للبلد يجب أن يكون حجر الزاوية في سياسة لبنان العربية والخارجية.

وإذا لم تكن الاعتبارات السياسية والاقتصادية وحدها كافية يمكن لمن يشاء من المنكرين أن يضيف الحجم الضخم للعلاقات السعودية - اللبنانية والأهمية الكبرى لقوة الاغتراب اللبناني في المملكة وفي دول مجلس التعاون التي تقارب النصف مليون وساهمت في ذروتها، وحسب أرقام البنك الدولي بنحو 9 مليارات دولار سنوياً من التحويلات والاستثمارات، ولولا استمرار اللبنانيين في خلافاتهم وتغريد البعض خارج السرب العربي، فإن الاقتصاد اللبناني كان سيصبح في حال آخر، ولكان لبنان اليوم قادراً على استقطاب المستثمرين والمصطافين والسياح، وبالتالي تحقيق معدلات نمو كبيرة، ولكانت الحكومة في وضع يمكنها من الاستثمار في البنى التحتية والكهرباء وتمويل سلسلة الرواتب، بل وتحقيق الكثير من المشروعات الحيوية للبلد. ويمكن التأكيد أن لبنان تعرّض ولا يزال لخسائر كبيرة نتيجة انحسار الاستثمارات والمساعدات والسياحة الخليجية إليه في السنوات الأخيرة، وما لذلك من انعكاسات سلبية عميقة على النمو الاقتصادي وميزان المدفوعات وفرص العمل. وليس من المبالغة القول إن هذه الخسائر تفوق المليار دولار سنوياً.
لقد أدخلت سلسلة من السياسات الخاطئة لبنان في حالة هي أشبه بالقطيعة مع بيئته الخليجية الحاضنة. ولبنان لا يمكنه تحمل نتائج ذلك على اقتصاده وعلى علاقاته المتشعبة الحيوية مع الإخوة الخليجيين.
إننا في مجلس الأعمال اللبناني - السعودي ندرك حجم المصالح الكبيرة والوشائج التاريخية والإنسانية التي تربط بين السعودية ولبنان، وقد اختبرنا طيلة عقود حرص المملكة الشديد على لبنان والاهتمام باقتصاده، وكذلك الاهتمام باللبنانيين وإعطائهم فرصاً لا حدود لها للمساهمة في تنمية اقتصادها وتنمية الاقتصاد اللبناني في آن معاً. وقد أخذ المجلس على عاتقه تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وحركة الأشخاص بين البلدين. وطبقت المملكة سياسة متساهلة في إعطاء سمات الدخول للبنانيين والسماح لهم باستجلاب أسرهم، ووفرت لهم داخل المملكة أفضل معاملة، كما أن السعوديين أنفسهم أظهروا دوماً للبنانيين العاملين في المملكة كل احترام وتقدير. وهذا المناخ من الأخوة والثقة هو من أهم ما حققه عمل اللبنانيين في السعودية، وإخلاصهم لها منذ أيام المغفور له الملك المؤسس عبد العزيز، وهذا الرصيد الكبير وجدناه يتعرض للخطر لأن السعوديين صُدموا بما كان يأتي من قبل بعض اللبنانيين وظهرت مشاعر الصدمة بتعليقات محبطة وغاضبة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التعليقات لا تعبر عن موقف أغلبية اللبنانيين والسعوديين، لكنها تظهر حجم الأضرار التي يمكن أن تصيب البلد فيما لو استمرت بعض المواقف اللامسؤولة في النيل من الصداقة والشراكة اللبنانية السعودية وإظهار الجحود للمملكة ولدول الخليج.
لقد دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة بالغة الأهمية من التحولات الاقتصادية والإصلاحات السياسية والمالية تسعى من خلالها لتنفيذ «رؤية 2030» وبناء اقتصاد حديث ومتنوع وقوي، ومجتمع منفتح يتبع مبادئ الوسطية ويرفض التطرف بكل أشكاله، ويجب على الأطراف كافة في لبنان وخارجه أن توفر الدعم التام للمملكة في جهودها الكبيرة هذه؛ لأن نجاح المملكة في إنجاز خططها الوطنية سيوفر أفضل الشروط، لا لازدهارها وحسب، بل وازدهار دول المنطقة كافة، وتعزيز روابط الأخوة والصداقة اللبنانية - السعودية - الخليجية.
إن مجلس الأعمال اللبناني - السعودي وبالتعاون مع المجلس المماثل في الرياض، يسعى لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية، وتحقيق قفزة نوعية جديدة فيها، وبناء شراكة اقتصادية جديدة بين المملكة ولبنان، يساعد على ذلك الرغبة الصادقة لدى الطرفين. وكل الحملات الإعلامية التي تظهر بين حين وآخر، إنْ هي إلا خروج عن طبيعة العلاقات وعن مسارها التاريخي الطويل. وستكون للمجلس مبادرات من شأنها إزالة الشوائب وتعزيز العلاقات.
- رئيس مجلس الأعمال اللبناني - السعودي