يوسف الكويليت
هناك من أخذوا مراكز كبرى في الدولة، واعتبروها امتيازاً شخصياً لنوعية تتفوق على غيرها عقلياً وشرفياً مثل بعض الوزراء، أو من خلفهم بالوظائف الأدنى، وتلبستهم أوهام أنهم بدلاً من تحقيق هدف الوظيفة بخدمة الآخرين يرون أنهم الأحق بالخدمة، وبذلك نشأت طبقية الوظيفة وتعريفها بأنها منحة خاصة، ولم يقتصر السبب على تلك النوعيات بل ذهبت لرؤساء هيئات ومجالس إدارات في القطاع الخاص والحكومي لتجعل مبدأ الوجاهة أهم من التشريعات والنظم حتى غرقنا في المحسوبيات و«البيروقراطيات» في تعطيل المعاملات وهدر حقوق الآخرين..
من بين النوعيات الكثيرة التي كانت عنواناً للنزاهة والجدية في الوظيفة والتواضع في العلاقة مع الآخرين المهندس محمود طيبة أثناء ترؤسه عدة مجالس إدارات لشركات الكهرباء وغيرها حين حاولت رشوته شركة أجنبية ورفض، وقدم الواقعة للدولة، كذلك مضرب المثل الشيخ صالح الحصين والذي كان نموذجاً آخر في جميع وظائفه العليا حتى أنه يمر في الشارع لا يثير أي اهتمام لأنه اختار بملبسه أو تقواه سلوك المواطن العادي، ولا أنسى من زاملته بوزارة المعارف الأستاذ «سعد أبو معطي» الذي كان يحاسب نفسه قبل الآخرين، وكان صارماً، حفظ وتعامل مع أنظمة الوزارة بجميع أقسامها حتى أنه أعطي انتداباً لمدة أسبوع لعرض بعض الأوراق على الوزير بالطائف، وعاد قبل إكمال المدة رافضاً استلام أي ريال إلاّ المدة التي قضاها في الانتداب، وهناك أشياء يصعب إيرادها لأنها جزء من مهمات الوظيفة وأسرارها..
هؤلاء مجرد نماذج، وغيرهم لم يكن مجهولاً ولكن غيبتهم الحياة عن الواجهة بحكم الإهمال والنسيان، لكن إذا عدنا إلى النوعية ممن حصلوا على المناصب بالتأهيل وعكسه، نجد أن بعض السفارات لم تكن بمستوى الدور الذي تلعبه سفارات دول أخرى، حتى أن التعامل مع المواطن مخجل، لأن مجرد زيارة السفارة لأي خدمة عادية أو تساؤل عن بعض الأنظمة، أو التصديق على بعض الأوراق، تجد تجاهلاً تاماً، وأحكاماً مسبقة بأن الوافد إليها لابد أنه قام بفعل سيء أو سرقة نقوده، أو متطفل يريد معونة، وقد تحدث تجاوزات أخلاقية أو غيرها من مواطنين، لكن السفارة ملزمة أن تدرك أنها تمثل الوطن وبذلك تحمي المواطن أياً كانت ظروفه في الخارج لكن القصور الأكبر أننا نرى دور السفارات في حالة ما تتعرض له المملكة من تلفيقات وأكاذيب وإدانات غير صحيحة ولا نجد جهداً متصلاً ليس فقط تقديم شكاوى والترافع عنها، وإنما كيف نفهم طبيعة المجتمع التي وجدت فيه، وكيف تبنى علاقات على كل المستويات، لأن مهنتها ليست فقط تشريفات باستقبال وتوديع، وإنما تغلغل في أوساط مراكز التأثير على السياسات والرأي العام وخلق مناخ يؤدي إلى سماع أصواتهم، خاصة في مرحلتنا الراهنة التي نواجه فيها موجة عداء وسباب غير مسبوقتين..
القصور الإداري يحتاج إلى تغيير بالعقليات قبل الأنظمة في تحريك المياه الراكدة، ونحن نملك القدرات الذاتية والإمكانات المتاحة حتى يعم التصحيح كل شيء يدخل في دوائر التطوير، وترتيب الأولويات..
التعليقات