خالد القشطيني
كان لي ابن عم، حسام القشطيني، شاب متعطش للقومية وعبد الناصر. وكان له غريم متعطش لـ«البعث» وميشيل عفلق، وصدام حسين. جمعتهما فكرة القومية وفرقتهما الآيديولوجية البعثية. هكذا كانا في شبابهما وخاضا خصومات متواصلة في حارتهما سوق الجديد، من جانب الكرخ من بغداد. فقد كانا في شبابهما من أشقياء المنطقة.
وأصبح أمرهما حديث العائلة. قالوا إن صدام حسين لم يكن يخشى أحداً أكثر من حسام القشطيني. انعكس ذلك في الأمر الذي أصدره صدام في أوائل حكمه لقوات الأمن بإلقاء القبض على حسام بأي ثمن كان. ويظهر أن حساماً كان يتوقع ذلك واستعد له. طوقت الشرطة بيته في زقاق التعلوينة وجرت مقابلة بالرصاص بينه وبين الشرطة. وبإعجوبة تمكن حسام الشاب من الفرار وتجاوز قبضة الشرطة ثم طوق الأمن من العاصمة. وبعملية لوذعية اجتاز الحدود والتجأ إلى القاهرة، فرحبوا به كبطل من أبطالهم.
مر الزمن وتغيرت ولاءات المنطقة وتسلم السادات الحكم. وإذا بحسام يسمع طرقاً متوتراً على الباب. إنه ضابط من المخابرات المصرية وصديق حميم لحسام. «حسام عزيزي. سيأتون صباحاً ويعتقلونك ويضعونك في طائرة إلى بغداد. إنه جزء من صفقة بين العراق ومصر. عليك أن تغادر مصر فوراً وقبل الصبح».
جلس الاثنان يبحثان عن طائرة، أي طائرة كانت تغادر مطار القاهرة قبل الفجر. ويوافق الطيار على نقل هذا الشاب الشريد إلى أي بلد في العالم يتفضل بقبوله من دون فيزا. معركة ضد الساعة. ولكنهما استطاعا الحصول على مقعد في طائرة صينية نقلته إلى شنغهاي. وهناك بدأت مفاوضات جديدة للحصول على طائرة تنقله إلى أوروبا من دون فيزا. توفق في الحصول على لجوء في إسبانيا. وحصل بعد أشهر على لجوء في بريطانيا حيث التقيته وسمعت منه كل هذا الكلام.
عرفت المخابرات العراقية بقصته ومقامه. وبدأت تحاوره على الرجوع إلى العراق. قلت له: احذر! قال: لا تعلمني على أساليب صدام حسين. أنا أعرفه وأفهمه، وهو أيضاً يعرفني ويفهمني. لقد أعطوني الأمان الذي أثق به. وسأعود إلى بغداد.
«انت مجنون! تثق بأمان صدام حسين»؟!
هز حسام الدين رأسه بالإيجاب. وكانت هزة من يعرف ماذا يقول، هزة من قضى حياته يتعامل ويتناور مع رجال المخابرات وأسلحة الأمن... وذهنية صدام حسين.
عاد حسام الدين القشطيني إلى بغداد وصدق صدام حسين أمنه. وفي الأخير كان صدام حسين هو الذي صعد المشنقة وليس ابن عمي حسام. بيد أن أمن العراق وصدام حسين، كما اكتشف حسام سريعاً هو غير أمن إنجلترا والحكومة الإنجليزية. وبدأ الندم يدب في عروقه. وياما ياما رجعوا وذاقوا طعم الندم.
التعليقات