عبدالله المدني

تواجه العلاقات الصينية- اليابانية اليوم تحديات كبيرة غير مسبوقة. ولئن كان هذا أمراً متوقعاً بسبب ما بين البلدين من خلافات تاريخية معروفة حول أعمال بشعة مارسها اليابانيون بحق الصينيين خلال الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن تنازعهما حول السيادة على أرخبيل "سيناكوكو" غير المأهول (يقال إن باطنها يحتوي على كميات من النفط والغاز) والتي يطلق عليها الصينيون اسماً مغايراً هو "دياويو"، فإن الجديد هو اتساع هوة الخلاف بينهما في السنوات الأخيرة بسبب مستجدات تتمثل في الموقف من نظام بيونج يانج الراديكالي، والذي تتحاشى بكين قطع أسباب الحياة عنه بصرامة، فيما تتجرع طوكيو من أعماله الطائشة وسياساته العدوانية. إلى ذلك هناك تنافس بينهما على الصعيد الاقتصادي يغذيها بروز الصين كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وهو المركز الذي كانت اليابان تحتله قبل أن تتراجع إلى المركز الثالث، خصوصاً وأن صعودها الاقتصادي يتزامن مع صعود عسكري وتمدد وانتشار بحري، ناهيك عما أعلنه زعيمها "شي جينبينة" خلال المؤتمر الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر 2017 من أنه "يريد صيناً قادرة على رسم ملامح نظام عالمي جديد".

ثم يأتي بعد ذلك موضوع العلاقات التحالفية الوثيقة التي تربط طوكيو بواشنطن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وهي علاقات كان الحزب الشيوعي الصيني ينظر إليها على أنها تهديد لنظامه، قبل أن تزداد شكوكه حولها اليوم على ضوء ما يعتري علاقات بكين بواشنطن من خلافات اقتصادية وتنافس حول الدور الدولي والإقليمي لكل منهما.

إلى ما سبق، يخيم على علاقات البلدين شكوك وخلافات حول تايوان. فعلى الرغم من تطبيع اليابان والصين لعلاقاتهما الثنائية في عام 1972 من خلال أربع معاهدات مهمة، وتأكيد طوكيو المتكرر حول التزامها ببنود تلك المعاهدات، ومنها سحب الاعتراف الدبلوماسي بتايوان، إلا أن بكين تتهم طوكيو بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال التعامل مع تايوان التي تعتبرها الصين إقليماً متمرداً.

ومن هنا يمكن اعتبار الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية الياباني "تارو كونو" إلى بكين ذات أهمية خاصة ــ أو هكذا قيل ــ خصوصاً وأنها الأولى منذ زيارة سلفه " فوميو كيشيدا" لبكين في أبريل 2016، ناهيك عن أنها توافقت مع الذكرى الأربعين لتوقيع البلدين على "معاهدة السلام والصداقة".

لكن ما هي نتائج زيارة الوزير الياباني لبكين ولقائه هناك بنظيره الصيني "وانج يي" وغيره من كبار المسؤولين الصينيين؟ وهل أثمرت الزيارة عن شيء جديد يعتد به؟

الحقيقة أن ما ترشح عن محادثات الوزير الياباني في الصين لم يكن سوى جملة من الأمنيات والوعود المتكررة والبيانات الإنشائية المعتادة عن عزم البلدين مثلاً على التعاون وتحسين العلاقات البينية من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة. مثل هذا الكلام الجميل قيل في الماضي وتكرر في الثامن والعشرين من يناير المنصرم على إثر انتهاء زيارة الوزير الياباني، وإنْ كان الجديد هذه المرة هو إعلان الجانبين عن عزمهما على إقامة خط اتصال عسكري ساخن لتفادي أي مواجهات في بحر الصين الشرقي بين بحرية جيش الدفاع الياباني التي ترابط في الجزر المتنازع عليها وبحرية الجيش الأحمر الصيني التي تستفز الأخيرة من وقت إلى آخر بإرسال دوريات تسير بمحاذاة الجزر ضمن ما تعتبره اليابان مياهها الإقليمية. وحتى لو افترضنا جدلاً أن هذا الإعلان هو إنجاز، فإن عدم بيان آلياته أو تحديد مدة زمنية لإتمامه أو تكليف جهة محددة بوضعه موضع التنفيذ يثير شكوكاً حول جدية البلدين معا أو جدية أحدهما.

وليس أدل على صحة ما نقول إلا مضمون بيان الخارجية الصينية حول زيارة الضيف الياباني، والذي خلا من أي ترحيب حار، وتضمن فقط الإشارة إلى تحقيق إنجازات متواضعة مثل تعهد طوكيو وبكين بمنع ازدواج الرواتب التقاعدية للعمال المغتربين في البلدين، والاتفاق على إقامة الخط العسكري الساخن المشار إليه.

وبعبارة أخرى، لم يتضمن البيان أشياء أخرى كان يتوقعها المراقبون مثل إجابة صينية واضحة على مقترح رئيس الحكومة اليابانية "شينزو آبي" لعقد قمة ثلاثية صينية ــ يابانية ــ كورية جنوبية في طوكيو من أجل مناقشة مسائل الأمن الإقليمي وتداعيات المغامرات الكورية الشمالية على العالم بصفة عامة وعلى منطقة شمال شرق آسيا بوجه خاص.

كان اليابانيون يعولون كثيراً على الحصول على تأكيد من الصينيين بالموافقة السريعة وغير المشروطة على مشاركتهم في القمة الثلاثية المقترحة بسبب ما لبكين من تأثير ونفوذ على قادة بيونج يانج، لكن الصينيين اكتفوا بالقول إن القمة تحتاج لعقد جولات كثيرة من الاجتماعات المسبقة، وأنها ستعقد قريباً، الأمر الذي بدا كمحاولة صينية للتهرب من القمة واستحقاقاتها.

كما أن اليابانيين كانوا ينتظرون الحصول على موافقة بكين على قيام الرئيس الصيني "شي جينبينغ" بزيارة دولة غير مسبوقة إلى اليابان، إلا أن أملهم خاب أيضاً، إذ تحاشى الصينيون كليا التطرق للموضوع، وهو ما حدا بالمتحدث باسم الخارجية اليابانية للقول إنه إذا ما عقدت القمة الثلاثية فسوف يمثل الصين فيها رئيس حكومتها "لي كه تشيانج"، وهذا سيؤدي إلى زيارة محتملة لرئيس الحكومة اليابانية "شينزو أبي" إلى الصين، تليها زيارة "شي جينبينغ" إلى اليابان.