سمير عطا الله

 اليوم ذكرى محمود درويش. 77 عاماً على ولادته ولن أتذكر الأعوام على غيابه. قد يوهمنا بسحره أنه مشرق بلا غياب. ألق يستحق البقاء لكي يصارع هجمات الظلام وأمواج الجفاف. حتى قبل رحلته الأخيرة إلى الجراحة الأخيرة كان يبدو قلقاً، لكن غير مهزوم. وكان يعطي المواعيد إلى ما بعد عودته من أميركا واثقاً من أن عمره سوف يشهد عودتين: عودة جبل الكرمل وعودة قلبه من معركة النصل والدفق. فقد كان يحب أن يبقى من أجل أن يحب، ومن أجل أن يكتب الشعر، ومن أجل أن يتألق مثل فرسان الأندلس وزنبق الجليل.

محمود الشاعر كان هو القصيدة الكبرى على وزن السامق والنبيل. شعره امتداد له. عندما كتب «أحد عشر كوكباً» اتصلت من لندن بنبيل خوري في باريس لأقرأها عليه: أنا أقرأ وأبكي، ونبيل يسمع ويبكي. لم يكن محمود يُقرأُ من دون أن تتخيل طبول النصر وصناجات الشجن تحيط به:
«هل كانت الأندلس ههنا أم هناك، على الأرض... أم في القصيدة».
ذلك اليوم، كما في كل يوم، امتلأ حباً بفلسطين، فتذكر غرناطة وأبا عبد الله، آخر ملوكها. ورآه يغادر حزيناً قصر الحمراء الذي ولد فيه، لكي ينهي أيامه الأخيرة في فاس، منكساً وكئيباً، وأهل الأزقة يرمونه بالشماتة والإهانات.
«... مرَّ الغريب حاملاً سبعمائة عام من الخيل. سأخرج بعد قليل من تجاعيد وقتي غريباً عن الشام والأندلس. هذه الأرض ليست سمائي. ولكن هذا المساء مسائي. والمفاتيح لي، والمآذن لي، والمصابيح لي، وأنا لي أيضاً. أنا آدم الجنتين، فقدتهما مرتين».
أخجل وأنا أنقل عن شعر محمود درويش أن أضيف إليه من نثري. فشعره يُقرأ وحيداً بلا مرافقة حتى موسيقية. بلا غناء حتى فيروز. بلا إطار حتى أصداف القدس. بلا نسائم حتى جبل الكرمل.
«... لا أطل على الليل كي / لا أرى قمراً كان يشعل أسرار غرناطة كلها / جسداً جسداً. لا أطل على الظل كي لا أرى / أحداً يحمل اسمي ويركض خلفي: خذ اسمك عني واعطني فضة الحور / لا أتلفت خلفي لئلا / أتذكر أني مررت في هذه الأرض / لا أرض في هذه الأرض منذ تكسر حولي الزمان الشظايا».