عبدالله جمعة الحاج 

تبدو الأوضاع في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، وكأن الأسس المنطقية والموضوعية لإقامة أشكال من التعاون المثمر المبنية على السلام والأمن والاستقرار والرغبة في إقامة أنماط من نظم الحكم المستقرة صعبة التحقيق في ظل الظروف الواقعية الموجودة. وبالفعل، فإن المراحل النهائية لتدخلات إيران في العراق وسوريا واليمن والبحرين، وتركيا في سوريا، ولدعم قطر لـ«الإخوان» وللإرهاب، ولمسار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هي أمور مرتبطة بكم هائل من العقبات والعوائق التي يجب تجاوزها. ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك في غمضة عين؟ إن المحتمل هو أن تزيد المسائل تعقيداً وتشابكاً، خاصة على ضوء سياسات الولايات المتحدة الجديدة تجاه القدس المحتلة، وتزايد موجات الإرهاب والتطرف في عدد من الدول العربية، كمصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال.

إن منظوراً تعاونياً - ائتلافياً جديداً وسريعاً بين كل من إسرائيل وإيران من جانب والعرب جميعاً من جانب آخر ليس محتملاً على ضوء التغيرات الأخيرة التي طرأت على المشهد العربي في واقعه الإجمالي، لكن ما يحدث يوفر منظوراً مفيداً لحدوث تغييرات في المشهد على مسرح أحداث مستمرة لما يزيد على السبعين عاماً أو نيف من الصراعات المحتدمة والمستحكمة والحروب الشعواء، وهنا دعوني أطرح فكرة أن ما هو مطلوب من علماء السياسة في العالم العربي، والمهتمين بشؤونه حول العالم هو تدشين دراسات غير تقليدية تقوم على مناظير التحليل الائتلافي للصراع بين العرب وإيران، من جانب، وبين العرب وإسرائيل، وربما العرب وتركيا من جانب آخر في المستقبل القريب، وكيفية إمكانية حل مثل هذه الصراعات. والأهم من ذلك هو أن التركيز على العلاقات العربية البينية، التي باتت أكثر خطورة في الآونة الأخيرة صار مُلحاً أيضاً بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل، خاصة على ضوء ما تقوم به قطر من بث للشقاق والفرقة والفوضى بين الدول العربية دون استثناء.

وما أطرحه هنا ليس بدعوة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة، أو لإعادة بناء ذلك التاريخ، لكنها دعوة لمعرفة جوهر الصراع ومركزه، والنظر في إمكانية تمويل الصراع إلى تعاون مستقبلي، فهذا أمر لا يحظى بأي اهتمام حقيقي، فمنذ زرع إسرائيل في قلب العالم العربي عام 1948، ومنذ أن كشرت إيران الخمينية عن نواياها التوسعية وأطماعها في العالم العربي وتصدير ثورتها إليه، ومنذ أن شرعت قطر بإيعاز من «الإخوان» في سياسات الفوضى الهدامة لتغيير نظم الحكم في الدول العربية خيمت على المنطقة غيوم كثيفة سوداء لواقع غير تعاوني نتجت عنه أوضاع صعبة جداً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البنية المؤسسة الإقليمية الرثة جعلت إمكانية التعاون غائبة، ولم يتبلور حتى الآن ما يفصح عن ظهور مؤشرات لخطوات تسير في عكس هذا الاتجاه على أسس أكثر حصافة ومتانة، والأمر سيان بالنسبة لإيران وإسرائيل وقطر وتركيا.

نعم، المرء لا يمكن له نفي حدوث خطوات تعاونية مبدئية منذ أوسلو ومدريد، وقيام زيارات متبادلة لوزراء خارجية بعض الدول العربية لإيران وتركيا، ومبادرات دولة الكويت للتوسط بين دول المقاطعة وقطر، لكن جميع ذلك لا يبدو بأنه فتح أبواباً أكثر اتساعاً.

لذلك، فإن الملاحظ هو أن العرب يعيدون الوقوع في أخطائهم المرة تلو الأخرى، ويبحثون عن أجوبة على التحديات التي تواجههم لدى غيرهم. والواقع هو أن الخطوة الصحيحة باتجاه الاستجابة الفعالة على التحديات التي تواجه العرب هي القيام بطرق مشاكلهم الداخلية والسعي من أجل المزيد من التعاون الإقليمي الفعال لكي يمسكوا بزمام الأمور بوسائل أفضل من أجل مستقبلهم، أضف إلى ذلك أن العرب كمجموعة لا بد لهم من الوقوف بشكل جماعي منسق تجاه جيرانهم الغير عرب، لأن هويتهم العربية هي التي يمكن لها تقوية قدراتهم السياسية والاقتصادية والأمنية لو صدقت النوايا بشكل خالص والتقت القلوب، وتجمعت بإيمان صحيح ووقفت وقفة رجل واحد، لكن هذا غائب عنا غياباً تاماً.