محمد السماك
هل يمكن تفسير شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتصاعدة- كما بينت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة- بأنها رد فعل الروس على امتهان كرامة بلادهم بعد سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي؟ هل هي نتيجة استمرار عملية الاستهانة بروسيا حتى طوال فترة ما بعد الحرب الباردة؟ لم يتفرد الروس برد فعل من هذا النوع. الفرنسيون سبقوهم إليه بعد الحرب الفرنسية – البروسية في عام 1871. في تلك الفترة ولدت الحركة الراديكالية الوطنية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر كرد فعل على الهزيمة. وحتى عندما اجتاحت القوات الألمانية الأراضي الفرنسية في عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية، وجد قياديو هذه الحركة وفلاسفتها في الاجتياح عاملاً أساسياً لإحياء الوطنية الفرنسية ولتوظيفها في النهضة القومية الجديدة. وفي اليابان لم تقم العسكرية اليابانية في عام 1930 إلا كردّ فعل على الهزائم المعنوية التي منيت بها اليابان.
وما كان انتخاب الرئيس دونالد ترامب ليشكل مفاجأة في ضوء هذه الخلفية. فقد جاء انتخابه بعد نهاية ولايتين لرئيس (باراك أوباما) يتمتع بكل الصفات التي تستفز المشاعر القومية المتطرفة في الولايات المتحدة، فهو يحمل اسم باراك حسين أوباما، أي أن اسم والده هو اسم مسلم. ووالده أفريقي أسود وهو ما يكرهه العنصريون والشعبويون البيض، ثم أنه كان رئيساً مثقفاً وليبرالياً. وهذه صفات يجد فيها المزارعون في السهول الوسطى، وعمال الصلب والمناجم والصناعات الثقيلة في طول البلاد وعرضها، استعلاء عليهم، ثم انه من حسن حظ ترامب أن خصمه في الانتخابات الرئاسية كانت سيدة (هيلاري كلنتون) في وقت بدأت حركة اجتماعية واسعة في مواجهة ما اعتُبر في المجتمعات الأميركية المحافظة مبالغة في دفع المرأة لتحمّل مسؤوليات سياسية على حساب دورها العائلي والتربوي في البيت والمجتمع.
واليوم في الذكرى السبعين لقيام إسرائيل، فإن اليهود ما كانوا لينتقلوا إلى فلسطين من كل أصقاع العالم، ويستوطنوا فيها لو لم يتعرضوا إلى الاضطهاد والمهانة وحتى إلى المجازر، التي كان آخرها جريمة "الحل الأخير" التي ارتكبها هتلر بحقهم أثناء الحرب العالمية الثانية.
وكما كان اليهود هدفاً لمشاعر اللاسامية، فإن المسلمين اليوم أصبحوا هدفاً لمشاعر "الإسلاموفوبيا" التي تجتاح المجتمعات الغربية، والتي بدأت تشكل أساس الثقافة العدائية في هذه المجتمعات تجاههم.
لم يتعلم اليهود من دروس معاناتهم في المجتمعات الغربية. ولم تتعلم هذه المجتمعات من دروس اللاسامية. فالفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي يعانون اليوم مما كان يعاني منه اليهود من اضطهاد وتنكيل .. ولم يتعلم اللاساميون من مساوئ هذه الثقافة الإلغائية للآخر، فالمسلمون في هذه المجتمعات يواجهون حملات الاضطهاد ذاتها على خلفية ربط الإسلام بالإرهاب .. واتهام المسلمين بأنهم عصيون على الاندماج والذوبان.
فمن جهة أولى تواجه إسرائيل في الذكرى السبعين لقيامها حالة من اثنتين: إما أن تحتل بالقوة العسكرية بقية الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تتحول إلى دولة عنصرية مثل جنوب أفريقيا السابقة،
أو أن تحترم حقوق الإنسان الفلسطيني المسلم والمسيحي، ويكون ذلك على حساب هويتها اليهودية. فإسرائيل لا تستطيع أن تدّعي الديموقراطية مع العنصرية. وهي تعرف أن اللاتوازن الديموغرافي يشكل قنبلة موقوتة رغم سياسة استقدام اليهود التي كادت تستنفد أغراضها. تستطيع إسرائيل بما لديها من قوة عسكرية وتواطؤ أميركي وصمت دولي أن تواصل امتهان كرامة الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم، ولكن إلى متى؟.. تاريخ العالم الحديث في معظمه هو ردات فعل دفاعاً عن كرامة ممتهنة.
التعليقات