ياروسلاف تروفيموف

 بدأ الصراع العسكري المباشر بين اسرائيل وإيران بالفعل: شُنّت سلسلة من الهجمات الاسرائيلية الجريئة (والتي لا تقر بها إسرائيل عادةً) في الأسابيع الأخيرة، على القواعد الإيرانية في سورية. ولكن هل من الممكن احتواء هذا الصدام داخل حدود سورية، أو أنّ عدوى العنف ستتفشى في الساحات الإسرائيلية والإيرانية وربما اللبنانية، فيشعل فتيل حرب إقليمية مشرّعة.


إلى اليوم، تمتعت إسرائيل بحصانة حالت دون الرد عليها. فهي تحظى بدعم الإدارة الأميركية، فيما روسيا تحاول عدم التورط في النزاع. أمّا النظام الإيراني فهو متردد في الرد عسكرياً في وقت يواجه اتفاقه النووي المبرم عام 2015 مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، خطر الانهيار وانفراط العقد. لكن هذا كله لا يشير إلى أن الأمور لن تتصاعد في شكل كبير في الأسابيع المقبلة. فثمة حد لمقدار الذل الذي قد تتحمله طهران وهي تتلقى الضربات الإسرائيلية المميتة، على غرار القصف على مقربة من حماة. وهذا التحمل وثيق الصلة بالمدة التي تستطيع فيها روسيا- وهي لديها القدرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية فوق سورية- أن تقف على الهامش وألا تحرك ساكناً.

والحق يقال ليس توقيت المواجهة- وهي اندلعت إثر قرار إسرائيل عدم السماح بإنشاء قواعد ومنشآت عسكرية إيرانية تهددها انطلاقاً من سورية- لا يناسب طهران. فالرئيس دونالد ترامب سيعلن في 12 أيّار (مايو) قراره حول الاتفاق النووي. وتحرص طهران، وهي وسط حملة إسرائيلية ترمي إلى إثبات عدم امتثالها للاتفاق، على استمالة الدول الأوروبية، وموقف هذه الدول حاسم في ميزان اقتصاد إيران، وهي قادرة على الحؤول دون فرض العقوبات الدولية من جديد عليها.

ويقول عدنان الطباطبائي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة كاربو التي تقدم استشارات إلى الحكومة الألمانية في الشؤون الإيرانية، «الإيرانيون على قدر من الحكمة، ويدركون أنهم الآن يُستدرجون إلى المبادرة إلى خطوة غبية تسوغ إقرار مزيد من الإجراءات الصارمة ضدهم في أوروبا وأميركا معاً... وعليه، يتوقع أن يلتزم الإيرانيون الصبر الاستراتيجي».

ولا شك في أن الخيارات السانحة أمام إيران للرد عسكرياً تنطوي على أخطار، مهما كان مصير الاتفاق النووي. ولا شك كذلك في أن أمضى أسلحة إيران وأدوات نفوذها الإقليمي، وكلاؤها، وأبرزهم ميليشيات «حزب الله» الشيعية اللبنانية، التي تمتلك ترسانة من الصواريخ والقذائف المتطورة. ولكن إسرائيل أعلنت من غير لبس أن أي هجمات كبيرة يشنها هؤلاء الوكلاء، قد يترتب عليها رد مناسب ومباشر على إيران.

فـ «إسرائيل تغيّرت. في الماضي، كانت تستهدف وكلاء إيران، ولكن اليوم انقلبت الآية وصار مفادها: إذا كان (المهاجم) وكيلاً إيرانياً، فإيران تقف وراء الهجوم، وعليها أن تدفع الثمن... وإذا بدأ حزب الله بإطلاق مئة ألف صاروخ على تل أبيب، يُتوقع أن تهاجم إسرائيل طهران»، يقول مئير جافاندافار، المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة «آي دي سي هرتزيليا»، وهي مؤسسة أكاديمية ومعهد بحوث إسرائيلي. وفي وقت لا تملك إيران ولا النظام السوري الوسائل اللازمة لردع الضربات الجوية الإسرائيلية ردعاً يعتد به، يسع روسيا- مع نظام الدفاع الجوي S-400 المنتشر في سورية– الردع والرد. لكن على رغم سنوات من التعاون العسكري الوثيق مع القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لإيران ضد المتمردين السوريين، رفضت موسكو إلى اليوم مد غطاء هذه المظلة فوق القوات الإيرانية، وجبه الغارات الإسرائيلية.

وتقول أنيسه بصيري، المتخصصة في الشؤون الإيرانية في معهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن، «ترى إيران أن سورية مصدر قلق استراتيجي وأنها قاعدة أساسية لردع إسرائيل، على خلاف موسكو». وفي حين أن المسؤولين الإيرانيين في حال غليان وغضب من موقف موسكو وراء الأبواب المغلقة، تجنبوا، إلى اليوم، توجيه انتقادات علنية إليها.

ويقول كريم ساجد بور، الخبير الإيراني في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، «إيران هي إحدى الدول التي تعاني من عزلة دولية كبيرة، وهي على المستوى الإستراتيجي لا تضع ثقتها في روسيا منذ مدة طويلة، لا سيما بسبب علاقات بوتين الوثيقة مع القادة الإسرائيليين، ولكن طهران لا تملك ترف العثور على حليف أكثر جدارة وثقة في سورية».

وبينما لوّحت روسيا باحتمال تسليم نظام الدفاع الجوي القوي، «أس 300» إلى سورية بعد الضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية الشهر الماضي، وهي ضربات وجهت إلى ما يشتبه في أنه منشآت أسلحة كيماوية تابعة للنظام السوري، أعلنت موسكو أنها لم تتخذ أي قرار حول (تنفيذ) هذه الخطوة. وكانت روسيا امتنعت عن تسليم أس-300 إلى سورية في 2010، بناء على طلب إسرائيل، وقد لا تكون راغبة في اختبار النظام الصاروخي هذا في أرض المعارك مخافة ثبوت عدم فعاليته أمام القوات الجوية الإسرائيلية.

وسلّط السفير الروسي في إسرائيل ألكسندر شاين في مقابلة مع يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الأسبوع الماضي، الضوء على التوازنات في موقف موسكو. وعلى رغم انتقاده الغارات الإسرائيلية على سورية، قال شاين إن موسكو «قلقة» من الوجود العسكري الإيراني هناك، وأنها تتفهم الأسباب التي تضطر إسرائيل إلى تنفيذ مثل هذه الإجراءات [شن هجمات] في المقام الأول. ومن الأفضل طبعاً تجنبها».

* صحافي، عن «وول ستريت جورنال» الأميركية، 3/5/2018، إعداد علي شرف الدين