أحمد الفراج

 تحدثت في المقال الماضي عن جذوة العنصرية في المجتمع الأمريكي، ولا جدال في أن أمريكا، زعيمة العالم الحر حالياً، تأسست كمجتمع عنصري بامتياز، فعندما هرب بعض الأوروبيين من اضطهاد الكنيسة في أوروبا، واستقروا في العالم الجديد، كانت أولويتهم هي الاستيلاء على ما تقع عليه أيديهم، والذي كان ملكا حصريا لسكان أمريكا الأصليين، الهنود الحمر، وقد استغل الأوروبي الأبيض طيبة هؤلاء الهنود، الذين لم تتلوث أخلاقهم بعد، فنهب أراضيهم، ثم أتبعها باستراتيجيات القضاء عليهم، ومما يذكر بهذا الخصوص، أن الرجل الأبيض كان يتلذذ بقتل الهنود، وقد كتب أحد المؤرخين أن الرجال البيض كانوا يتعاطون الخمر، ثم يتهامسون: «هيا بنا نقتل بعض الهنود»، كما أن أحد مشاهير الساسة في ذلك الزمن البعيد، قال في لحظة صفاء قبل موته: «إذا تذكرت ما فعلناه بالهنود، أتيقن أن الله لن يغفر لنا ذلك أبدا!».

لم يكتف الرجل الأبيض بالفتك بالهنود، بل استقدم السود من إفريقيا، واستعبدهم، واستغرق الأمر قروناً، حتى تمت مساواة السود بالبيض، وانتخب أوباما رئيسا، ولكن العنصرية لم تغب أبدا عن المشهد، فهي تغيب وتحضر، تذبل ثم تزدهر، حسب المعطيات والظروف، فالمجتمع الذي انتخب باراك اوباما، ابن المهاجر الإفريقي، هو ذات المجتمع، الذي انتخب دونالد ترمب، وخلال ثماني سنوات فقط، أصبح الكل يتحدث عن عنصرية أمريكا، بعد أن كانوا يشيدون بتسامحها، وأنها الدولة الغربية الوحيدة، التي تسامت فوق العرق واللون، وانتخبت رئيسا من أصول افريقية، وقد كتبت مرارا، أن هذا التسامح، الذي أوصل اوباما للرئاسة، لم يكن إلا وجها واحدا من الوجوه الأمريكية المتعددة، ففي ذروة الاحتفالات بانتخاب اوباما، كانت هناك نيران تحت الرماد، تجلت بشكل قاسٍ، وفي صور وأشكال متعددة.

ربما لا يعلم كثيرون، أن اوباما، وهو الرئيس، اشتكى أكثر من مرة، من بعض الممارسات ضده، والتي اعتقد أنها عنصرية، وحصل ذات الشيء مع زوجته ميشيل، رغم أنها كانت سيدة أمريكا الأولى، ولا زلت أذكر كيف شنع الإعلام الأمريكي اليميني على ميشيل اوباما، ولمح وصرح بأنها لم تتعامل مع ملكة بريطانيا كما ينبغي، أثناء زيارة اوباما لبريطانيا، وأنها لا تفهم البروتوكولات الملكية، رغم أنها ارتكبت خطأ بسيطا، كان يمكن تجاوزه، وهذا هو ذات الإعلام، الذي تجاوز ما فعله جورج بوش الابن، عندما كان والده رئيسا، إذ إن جورج الابن، لم يتصرف حسب البروتوكول أيضاً، في حضرة ملكة بريطانيا، أثناء وليمة أقامها والده في البيت الأبيض، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بمخالفة البروتوكول، بل بهوية من خالف البروتوكول، وعرقه ولونه، وهذا يفتح لنا الباب، لنتحدث عن بعض صور العنصرية، التي حدثت بسبب انتخاب اوباما، وأثناء حكمه، وهي صور ضاعت، وسط ضجيج الاحتفالات بانتخاب أمريكا لأول رئيس أسود!.