سليمة لبال
يقاتل مئات المرتزقة الروس إلى جانب الجيش النظامي السوري، وتستخدم هذه المجموعات، وفق تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، لتنفيذ مهمات لا يرغب النظام الروسي في إسنادها للجيش النظامي. كيف يعمل هؤلاء؟ ومن يجندهم؟ وما علاقتهم بالجيش الروسي؟ وهل لا يزال لهم مكان في روسيا؟ وأين ينتشرون في العالم؟ هذه الأسئلة سيجيب عنها التقرير التالي:
لم يعرف كيريل أنانييف أبداً في حياته التكريم ولا التشريف العسكري، ما عدا الاحترام الذي كان يكنه له زملاؤه في المعركة. ولا أحد من الرسميين وضع إكليل زهور على قبره، بعد أن دفن في مقبرة شتيشيربينكا في ضواحي موسكو. لقد فقد هذا الرجل الثلاثيني حياته في الثامن من فبراير الماضي في دير الزور السورية. وبالنسبة للكرملين فهو شخص غير موجود. ففي بيان لها قالت وزارة الدفاع الروسية «انه أحد المواطنين الروس، الذين ذهبوا إلى سوريا بمبادرة منهم ولأهداف عدة»، وأضافت المؤسسة العسكرية «ليس علينا ان نحاكمهم على قانونية قراراتهم».
بالفعل ذهب كيريل أنانييف إلى سوريا برغبة منه، لكن هذا العسكري القومي البلشفي كان مقتنعاً بحمل السلاح من أجل مجد الكرملين والرئيس فلاديمير بوتين. ويقول الكاتب أدوارد ليمونوف، الذي يتزعم الحزب القومي البلشفي، الذي ارسل عدة مجندين الى سوريا باسم التحالف التاريخي، الذي بدأ بين موسكو ودمشق في عام 1960 في زمن الحرب الباردة، «نحن في صف المعارضة، ولا نرغب في القتال باسم الحكومة الروسية».
غادر كريل أنانييف برفقة الشركة الخاصة واغنر، التي تحتكر سوق المرتزقة الروس في سوريا، رغم أنها شركة غير قانونية. ويقول أدوارد ليمونوف «لم يكن المال هو الدافع الذي حرّك كيريل. فهذا الرجل العنيد ذو الصفات الاستثنائية، عسكري الروح، «وفي فيديو يظهر صوره كيريل لدى عودته من دونباس مطلع 2017، يظهر وهو يقول إن الحرب هي طريقة الحياة التي تناسبه بشكل كبير».
تابوت مغلق
لم يتلق كيريل تدريباً عسكرياً في حياته، لكنه خدم في سوريا كرئيس وحدة مدفعية إلى غاية معركة دير الزور. وقد انتقدت مصادر، رفضت ذكر اسمها من وزارة الدفاع الروسية، افتقار كيريل الى الخبرة العسكرية، قبل أن يقتل في ضربة جوية وبرية قادتها قوات التحالف بقيادة واشنطن. ولأنه لا ينتمي للجيش الروسي فقد تطلب التعرف عليه وقتاً طويلاً، تلاه نقل جثمانه. ويقول إدوارد ليمونوف «على الأرض كان يصعب علينا دوماً العثور على جنودنا بين القتلى».
وخلال دفنه، واحتراماً للقتيل الذي أصيب إصابة بالغة على مستوى الرأس، لم يتم فتح تابوته عكس العادات الأرثوذكسية. ووفق الموقع الإلكتروني «كونفليكت انتلجونس تيم»، وهو مصدر مستقل عن الصراع السوري، فإن قرابة 80 مرتزقاً روسياً قضوا بتاريخ الثامن من فبراير الماضي، وجميعهم عناصر في مفرزة، ثلثها من المجندين السوريين.
لم تعترف وزارة الخارجية الروسية إلا بمقتل وجرح بضع عشرات، غير أن شركة واغنر، التي تشغلهم وتوظف ما بين 2000 و3000 مرتزق، يديرها الثري إيفقيني بريغوزين، المقرب من فلاديمير بوتين.
شيد إيفقيني بريغوزين ثروته من صفقات ترميم الكرملين ومدارس موسكو، بالاضافة الى صيانة مقرات وزارة الدفاع. ووفق الواشنطن بوست، استناداً إلى مصادر من الاستخبارات الأميركية فإن هذا الخمسيني هو من نسق عملية دير الزور بين الكرملين ودمشق، رغم انه ينفي أي علاقة له بشركة واغنر. ووفق الموقع الالكتروني فونتونكا، فإن من يشرف على عملياته مجند سابق في دونباس، يدعى ديمتري أوتكين. ويظهر في صورة مهربة في الكريملين في ديسمبر 2016، برفقة فلاديمير بوتين وثلاثة مرتزقة آخرين.
وعكس الشركات الاميركية الخاصة، مثل أكاديمي التي توظف 22 ألف متعاون، يعمل المرتزقة الروس في السرية، ذلك أن القانون الروسي يعاقب بالسجن ما بين 3 إلى 7 سنوات كل من يشارك بطريقة غير قانونية في صراع مسلح. وأما شركة موران سيكوريتي، التي تعمل في مجال مكافحة القرصنة البحرية، فهي مسجلة في دولة بليز، وأما شركات أخرى فمسجلة في هونغ كونغ أو لندن. ويقول الكسندر كراميتشيكين، الخبير في معهد التحليل السياسي والعسكرين إن هذه المجموعات تستخدم لتنفيذ المهمات، التي لا يرغب النظام في إسنادها للجيش النظامي. ويضيف «كما أن الكرملين ليس مسؤولاً عن فقدانهم».
وتصل مرتبات هؤلاء المرتزقة إلى بضعة آلاف من الدولارات شهرياً، وهي أعلى من مرتبات ضباط الجيش الروسي، حيث يتقاضى نقيب 60 ألف روبل، أي ما يعادل 800 يورو.
وتشكل مجموعة واغنر حالة خاصة، لكن بعد مغامرة دير الزور، يخيم الصمت على المتعاونين معها أو أقارب الضحايا. ويقول روسلان لفيف، مؤسس مشروع «كونفليكت انتلجنس تيم»: «العلاقات الآن متوترة بين واغنر ووزارة الدفاع، لكن في هذه القضية، الكرملين هو من اتخذ القرار، لانه في حاجة لهم لتحرير سوريا».
ووفق رويترز، فإن نقل مقاتلي واغنر يتم بسرية عن طريق شركة مدنية سورية تدعى شام وينغز، فرضت عليها واشنطن عدة عقوبات. ولا يتم تسجيل رحلات هذه الشركة، حيث تنطلق ليلاً في ساعة متأخرة من مطار روستوف سور لو دون الروسي في جنوب البلاد، لتحط في وقت مبكر من الصباح في دمشق واللاذقية. وعدت رويترز 51 رحلة خلال الأشهر الأخيرة، تمت وفق هذا النسق على متن طائرات من نوع ايرباص 320، تقل كل واحدة منها 180 راكباً.
السوق الأفريقية
وقد سعى مؤخراً نائبان روسيان إلى ترسيم عمل مثل هذه الشركات العسكرية، من خلال تقديم مشروع قانون يهدف، وفق النائب ميخاييل إميليانوف، إلى تفعيل عمل هذه الشركات، من أجل مصالح روسيا في الخارج، غير أن وزارة الدفاع الروسية أوصدت الباب أمام هذا القانون. ومع الانتصارات التي حققتها موسكو مع دمشق على آخر جيوب المعارضة، توسعت الأزمة الروسية وفق البرلماني، الذي يضيف «اليوم علينا أن نفكر في مستقبل المنطقة كلها، والشركات الخاصة يمكن ان تساعد في هذه المهمة».
ويقول بوندو دوروفسكيش، مؤسس شركة مسجلة في لندن، إن سوريا مغلقة الآن، ولا توجد أسواق من الآن فصاعداً. ويعمل بوندو، الذي خدم والده ست سنوات في دونباس، يعمل في نيجيريا في دلتا نهر النيجر. وتعاني هذه المنطقة من كارثة بيئية، بسبب عمليات استخراج النفط التي تنفذها شركات أجنبية، علاوة على عدم الاستقرار السياسي. ويقول رجل الأعمال هذا، الذي أرسل ضباطاً في الاستخبارت إلى المنطقة، ويقوم بتزويد عدة فصائل بالسترات الواقية من الرصاص والذخيرة.
وفي المقابل، تراقب السلطات الفرنسية بقلق انتشار مدربين روس في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يعملون بصفة رسمية تحت لواء الأمم المتحدة، لكن يشتبه في سعيهم للتنقل إلى الشمال الغربي باتجاه الحدود السودانية، في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. ومنذ بداية العام تتلقى بانغي أسلحة خفيفة من مخازن سلاح الجيش الروسي. وتذكر هذه الممارسة بفترة الاتحاد السوفيتي، حيث كانت موسكو في خضم الحرب الباردة تدعم حلفاءها في أفريقيا بالسلاح مقابل سعر مخفض، مثلما حصل في أثيوبيا بعد عام 1976 لمصلحة الحكومة الماركسية، التي تشكلت عقب الانقلاب أو في أنغولا خلال الحرب الأهلية. وهذه المرة أكدت وزارة الخارجية الروسية وجود 170 مدرباً مدنياً، و5 عسكريين روس في جمهورية أفريقيا الوسطى، مما يزيد الشكوك حول لجوئها إلى خدمات الشركات الخاصة.
وقال دبلوماسي، رفض الكشف عن اسمه، لصحيفة لوفيغارو الفرنسية: «بالنسبة لنا تبدو السوق الأفريقية مهمة جداً، لأن الأمر لا يتعلق بمهمات حراسة بسيطة، ولكن توزيع معدات خاصة ووسائل دفاع وتدريب عسكري».
من جهتها، أكدت الصحافة الروسية وجود شركة واغنر في جنوب السودان، المجاورة لجمهورية أفريقيا الوسطى. ووفق صحيفة كومارسون الروسية، فإن إيفغيني بريغوزين، مالك شركة واغنر، يعتزم إرسال محللين سياسيين روس إلى القارة الأفريقية بسبب كثرة الانتخابات، التي ستشهدها القارة خلال السنتين المقبلتين. ووفق المصدر ذاته، فإن استطلاعات رأي «مصنوعة في روسيا» أنجزت في جنوب أفريقيا وكينيا، وتغذي هذا المبادرة، التي أطلقها من يلقب بـ«طباخ بوتين»، التكهنات بشأن احتمال تقاسم مهمات في المستقبل بين المستشارين السياسيين والمرتزقة.
لوفيغارو
التعليقات