فيفيان حداد

لا يزال مسلسل «طريق» يحصد نجاحاً لافتاً يتزايد يوما بعد يوم في موسم رمضان. فمنذ حلقاته الأولى استطاع اجتذاب المشاهد العربي عامة واللبناني خاصة، إذ صار ضيفاً عزيزا ينتظر المتفرجون إطلالته التلفزيونية مساء كل يوم. فهذا العمل الدرامي الذي أعاد الثنائية ما بين عابد فهد ونادين نسيب نجيم (من إنتاج شركة صباح أخوان)، تسلّل إلى قلوب اللبنانيين من دون استئذان وصار موعد عرضه محطة يومية لا يمكن تفويتها بالنسبة إليهم.

«إنّ محبة الناس وردود أفعالهم حول هذا المسلسل هي بمثابة مكسب معنوي كبير بالنسبة لي». يقول الممثل عابد فهد بطل «طريق». ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يمكنني أن أصفها بـ(بنك من المحبة) التي لم تجف سيولتها مع عروض حلقاته المتتالية لا بل أنّها تشهد متابعة تصاعدية بشكل مستمر». فشخصية جابر سلطان المائلة نحو الطرافة والغرابة والتي يجسدها عابد فهد في هذا العمل شكّلت نجاحاً فنياً لم يكن يتوقعه منه المشاهد ولا حتى عابد فهد نفسه. «الشعور بالخوف تملكني طيلة أوقات التصوير وكنت أتساءل في قرارة نفسي عما إذا كنت سأنجح في هذا الدور أو العكس. فتوقعت بأن يعبر بسلام وليس بأن يحدث كل هذه الجلبة الإيجابية على الساحة. اليوم صار لدي الجرأة بأن أقدم هذا النوع من الأدوار وأن أغرق فيها إلى حد الذوبان». وهل تعني بأن جابر سلطان سيشكل محطة فاصلة في مشوار عابد فهد التمثيلي؟ «لا ليس إلى هذه الدرجة فقد سبق وقمت بأدوار جميلة ورائعة لاقت نجاحاً كبيراً في الماضي، ولكن لدى جابر سلطان نكهة جديدة استفدت منها في تلوين مشواري». ويتابع: «على الممثل أن يقدّم أدواراً مختلفة فيعتمد خطة جديدة كل 5 سنوات تبعد عنه فخ التكرار وإلّا وقع هو ومشاهده في الملل. فأنا شخصيا أملّ وأجدد نفسي كي أحفز طاقتي» ويتابع ممازحاً: «حتى جابر مللت منه في آخر أيام التصوير، فبعد نحو 90 يوما من تقمصي لشخصيته شعرت بأنّني اكتفيت منه. فأنا كطبق (كشري) لا أحب الروتين فهو يقتل الفنان ويلازمنا نحن الممثلين كوننا اعتدنا عليه في ظل الأدوار المختلفة التي نقدمها، فلا أحاول هنا رمي النظريات أو الفزلكات ولكني بالتأكيد لا أؤمن بمقولة «الموظف المبدع».

يعترف عابد فهد بأن، شخصية جابر سلطان تشبهه كثيرا ويعلق: «ليست جديدة علي فلدي الحس الفكاهي وأحب ممارسة السخرية وإلقاء النكات. كما أتقبل الأزمات بحكمة ورحابة صدر».

وكان عابد فهد قد صرّح بأنّ خط أزياء جابر سلطان الخارجة عن المألوف استوحاها من الإعلامي الفلسطيني محمد أبو عبيد، كما تردّد بأنّ طريقة كلامه تشبه إلى حد كبير أسلوب المطرب جورج وسوف في التحدث مع الآخر. ولكن ماذا عن باقي العناصر التي تميزه في هذه الشخصية، فمن أين استوحاها؟ يرد: «إنّها نتيجة تراكمات الخبرة والتجارب التي مررت بها طيلة مشواري التمثيلي وعمره نحو 35 سنة. فصار لدي طريقة أستشف من خلالها طبيعة الشخصية التي سألعبها. وفي دور جابر بالتحديد ركنت إلى لغة الجسد كي أعطي المشاهد الانطباع المطلوب، إن في طريقة المشي وإن في غمزة العينين وحتى في خيارات أزيائه. فكانت بمثابة «بازل» نسجته في خيالي وأنا أقرأ النص، إضافة إلى عبارات ومفردات استخدمتها أحياناً كثيرة عن طريق الارتجال من دون أن يتضمنها النص. فقد استعرضت في ذاكرتي أعمال ممثلين عمالقة تعلمت منهم الكثير أمثال ياسر العظمة ودريد لحام وناجي جبر (أبو عنتر) من سوريا، وداستن هوفمن وروبيرتو دي نيرو من هوليوود. فجاءت الشخصية لتنساب بطبيعية ضمن إيقاع تمثيلي غير ممل. ولعل العمل الجماعي الذي ساد أجواء التصوير بدءا من فريق الإنتاج مع لمى صبّاح مرورا بكاتبي النص فرح شيا وسلام كسيري ووصولا إلى جهود مخرجة جلودة وهي رشا شربتجي، أسفرت عنه هذه النتيجة الحلوة. فعادة ما أحضر للأرضية التي سيسير عليها الدور ومنها أنطلق».

تعرفنا الخطوط العريضة التي تتألف منها شخصية «جابر» في مسلسل «طريق» بأنّه رجل أمي ينتمي إلى بيئة شعبية ولكنّه في الوقت نفسه غني وكريم. وقد شكلت هذه الشخصية خلطة بحد ذاتها أغرمت بها شريحة لا يستهان بها من النساء اللاتي تمنين لو يرزقن بعريس مثله. «إنّه إنسان صريح وواضح قد لا يمكننا التفاهم معه مرات كثيرة، ولكنّني لا أستطيع أن أخمن مدى النجاح الذي يمكن أن يحققه على الأرض فيما لو كان شخصية حقيقية».

يتابع عابد فهد أعمالا رمضانية عدة وبينها «تانغو» المعجب بعين مخرجه المتطورة رامي حنا وكذلك «الهيبة العودة» بكاميرا سامر البرقاوي الناجحة. ويعلق: «هناك كم لا يستهان به من الأعمال الرمضانية الناجحة التي تنطوي على تقديم أفكار وتقنيات وحتى وجوه جديدة، وهو أمر ينعكس إيجابا على مجال الدراما العربية بشكل عام. وأنا معجب بهذه الأعمال التي ذكرتها وبأبطالها أمثال باسل خياط ودانييلا رحمة ودانا مارديني وتيم حسن ومنى واصف وغيرهم، فجميعهم رائعون».

ولكنك ذكرت في حديث سابق بأنّنا لا نصلح لصناعة مسلسلات «أكشن» لماذا؟ «لأنّها وبكل بساطة تحتاج إلى ميزانية ضخمة لم تتوفر لدينا بعد في هذا النوع من الأعمال كما أنّنا لا نملكها أيضا». وماذا عن أدوارك المقبلة كيف ستجددها؟ «أحاول الذهاب نحو الكوميديا بشكل أوضح، وهو ما أعتبره نقلة كبيرة بالنسبة لي وهو ما أعمل على تحقيقه قريبا. ففي العام المقبل ستروني في دور جديد يختلف تماما عن ذلك الذي جسدته في (طريق)». وهل ما زلت تبحث عن الشهرة؟: «لا أبدا إذ حققت الكثير والحمد لله، عدا أمرا واحدا ما زال يطن في بالي ألا وهو ترك بصمة لي خارج إطار منطقتنا العربية بحيث أتقدم ولو بخطوة صغيرة نحو العالمية فتكون (البصمة الأخيرة) لي إذ أشعر بأنني أستطيع تحقيقها يوما ما». وهل تفكر بممارسة مهنة أخرى يوما ما؟ «تقصدين إلى جانب التمثيل؟ لدي بعض المحاولات ولكن بعيدا عن الاستثمارات والمشاريع التوظيفية فهي لا تجذبني بتاتا. فأنا أفضل عندما أتقدم في العمر بأن أستريح وأمارس هوايتي المفضلة في الجلوس على شاطئ البحر بدلا منها». ولكنك في المقابل تملك صوتا جميلاً ألا يحثّك الأمر على ممارسة الغناء؟ «قد يجوز أن أغني في مسرحية ما لا أعلم فأنا أحب الغناء وقد ورثت هذا الحب عن والدي الفنان جورج صاحب الأغاني الطربية السورية الساحلية، فكنا في المنزل ننام ونستيقظ على أنغام الموسيقى. ومن يدري قد أصدر يوما ما ألبوما غنائيا فأفكاري تخرج عن المتوقع مرات كثيرة».

زوّد لبنان الكثير من الممثلين السوريين بالنجومية فلماذا برأيك؟ «برأيي أنّ لبنان هو (أب وأم البرامج التلفزيونية من تسلية وفنية ومنوعات وغيرها. فعندما نشاهد عروض مسابقة انتخاب ملكة جمال لبنان مثلا، يخيّل إلينا أنّنا نشاهد نفس المسابقة بنسختها الأميركية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمهرجانات والجوائز الفنية التي تنظموها. فلبنان بمثابة «المطبعة الكبيرة» ولديه تاريخ معروف في هذا المجال وهو ما يميزه عن غيره فلذلك تتسم النجومية فيه بنكهة أخرى. فلديكم ملعب في صناعة برامج المنوعات يضاهي بأهميته تلك التي تصنع في بلاد الغرب. بينما في سوريا نتميز بصناعة الدراما إذ لدينا محترفون في كتابة السيناريو والإخراج، ولذلك بقيت هذه الصناعة مزدهرة عندنا على الرّغم من كل شيء».