إبراهيم الصياد
منذ أن عرفت المجتمعات العربية ما يسمى بـ «ثورات الربيع العربي»، قبل حوالي ثماني سنوات، لاحظنا أن الإعلام بخاصة المرئي والإلكتروني أصبح له دور مهم في عمليات الحراك المجتمعي سواء بالسلب أو بالايجاب. ويصنف الإعلام أو «الميديا» - كما يحلو للبعض أن يسميه - بأنه قوة من القوى الناعمة شأنها في ذلك شأن الصحافة والفنون مثل المسرح والسينما والموسيقى والثقافة عموماً.
وكذلك الرياضة لها تأثير في تحديد الصورة القومية للدولة. لكنها قوى غير مباشرة، عكس عناصر قوة الدولة التقليدية كالموارد الاقتصادية والبشرية والسياسة الخارجية والقوة العسكرية، ومن ثم إذا استطاعت الدولة توظيف عناصر قوتها في شكل صحيح، فإن منحنى تقدمها ورقيها يرتفع والعكس صحيح. ما يعنينا في هذا المقام هو الإعلام باعتباره أحد مكونات التنوير والتحضر أو دعونا نتفق أنه المسؤول عن بناء الوعي أو تجريفه. وأتذكر هنا مقولة غوبلز وزير دعاية الزعيم النازي أدولف هتلر: «أعطِني إعلاماً بلا ضمير أعطِك أمة بلا وعي». وهي مقولة صحيحة ترجمت واقعاً أثّرت معطياته في الأداء الإعلامي، ليس في العالم العربي فقط بل في العالم كله في الثمانين عاماً التالية للحرب العالمية الثانية حتى ولو لم نشعر. وفي المقابل، كان لا بد من وجود نموذج مقاوم لفكر غوبلز، وهو أن يصبح الإعلامي المهني الصادق الملتزم بأخلاق وأمانة وضمير وقيم مهنته هو من يضع اللبنة الأولى في صرح وجدان الأمة الواعية المتحضرة. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال: هل هذا النموذج سائد على ساحة الإعلام العربي؟ بمعنى أن القائم بالرسالة الاعلامية يسعى إلى البناء لا إلى الهدم؟
عندما نحلل مخرجات الأداء الاعلامي، سواء الإعلام العام أو الخاص والإعلام الإلكتروني وتحديداً السوشيال ميديا أو وسائط التواصل الاجتماعي، نكتشف أن كثيراً من الرسائل الموجهة إلى الجمهور تضل طريقها ولا تحقق الهدف منها وبعضها يصب في النصف الفارغ من الكوب. فالإعلام يبث الروح الانهزامية في متلقيه على رغم قدرته على بث الروح الإيجابية، ويصبح لاعباً مهماً في ما تمكن تسميته شركاء التنمية. وعليه تبدو التفرقة واضحة بين الإعلام الساعي إلى البناء والآخر الساعي إلى الهدم. ونصل إلى نتيجة صادمة: ليست لدى كل المؤسسات الإعلامية القدرة المهنية والفنية ولا السياسة التحريرية على أن تصبح شريكاً في التنمية. إذاً، نحن أمام نوعين من الإعلام، أحدهما سلبي والآخر إيجابي. ونجد أن الصراعات العالمية (الحروب) انتقلت في القرن الحادي والعشرين إلى تصنيفها بالأجيال من حروب الجيل الأول إلى الثاني والثالث والرابع والخامس... الخ.
ما يهمنا أن حروب الجيل الرابع اعتمدت على القوى الناعمة في تنفيذ عملياتها بين الخصوم ولا تُستخدَم فيها القنابل والطائرات بل الأفكار. وبما أن الإعلام في الأصل فكرة تتحول إلى رسالة تبث عبر وسيلة إعلامية، فإن مستخدمي حروب الجيل الرابع وجدوا في الإعلام ضالتهم، خصوصاً الإعلام السلبي، منتهزين فرصة أن العالم أصبح قرية صغيرة وأن شبكة الإنترنت أزالت الحدود السياسية بين المجتمعات وأصبحت المعلومة متوافرة على مدار الساعة ومنقولة عبر وسائط الإعلام المختلفة. وهنا تكمن الخطورة: من الذي يؤكد صحة هذه المعلومة؟ ولهذا كان من الضروري سن قوانين لحرية تبادل المعلومات الصحيحة من مصادرها بخاصة أن نسبة تتجاوز الثمانين في المئة من المعلومات المتداولة على شبكة الإنترنت غير مؤكدة من مصادرها، وهي أقرب إلى الأخبار الكاذبة التي تتحول إلى قصص وهمية تتحكم فيها نظرية الإشاعة. وفي ظل شيوع الجهل الثقافي والسياسي والتعليمي عموماً، يصبح من السهل التحكم في عملية التدمير الذاتي للمجتمعات من طريق الإعلام السلبي.
وبناء عليه، من الضروري أن نفتح الباب على مصراعيه للدراسات المتخصصة في مجال مواجهة حروب الجيل الرابع، لا سيما في مجال الإعلام، لنحمي مجتمعاتنا من عملية غزو داخلي من خلال نشر الأخبار الكاذبة والأفكار المغلوطة عبر منصات البحث الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات.
وأقترح أن يتولى أساتذة من كليات الإعلام في الجامعات العربية بالتعاون مع خبراء إعلاميين موثوق في قدراتهم المهنية، التنسيق لعقد سلسلة من المؤتمرات التي تستهدف إنقاذ الإعلام العربي من براثن حروب الجيل الرابع، مع الأخذ في الاعتبار أن استهداف المجتمعات العربية لا يتم فقط من خلال الإعلام، ولكن عبر القوى الناعمة الأخرى. وبالتالي فإن أي دراسة معنية بالإعلام، لا بد أن ترصد ماذا يتم في المجالات الأخرى؟ وعلى المستوى القومي، أتصور أن تتبنى جامعة الدول العربية هذا الطرح من خلال مبادرة تدعو إلى التعاون العربي المشترك لإنقاذ الإعلام العربي يضعها مجلس وزراء الإعلام العرب في جدول أعماله في أقرب اجتماع له لأن التحرك المنفرد لن يجدي.
التعليقات