عبدالله صادق دحلان
كنت وما زلت متأكدا جدا بأنه لن تعود مأساة الحروب العالمية مرة أخرى ولن يلجأ قادة الدول العظمى للدخول في تكتلات عسكرية تخطيطا لحرب عالمية ثالثة، والأسباب هي المآسي والتخلف ودمار الحضارات التي خلفتها الحربان العالميتان الأولى والثانية والتي راح ضحيتهما الملايين من البشر موتا وتشردا ودمارا وفقرا، إلا أنني كنت وما زلت قلقا جدا من الحرب الاقتصادية بين الدول العظمى وأثرها على الاقتصاد العالمي المرتبط به اقتصاديات جميع الدول الصناعية والنامية والأقل نموا، وفي اختلاف موازين القوى الاقتصادية العالمية يظل ميزان القوى الاقتصادية العالمية في كفتين الأولى الولايات المتحدة الأمريكية التي ظل اقتصادها يتصدر أكبر الاقتصاديات العالمية لفترة من الزمن حتى ظهر المارد الصيني لينافس الاقتصاد الأمريكي في المقدمة ويسابقه في النمو الاقتصادي نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية التي مر بها الاقتصاد الأمريكي، ونتيجة توسع الاقتصاد الصيني في التجارة الخارجية وغزوه جميع الأسواق العالمية بما فيها السوق الأمريكية حيث وصل حجم الصادرات الصينية للأسواق الأمريكية إلى حوالى (500) مليار دولار في العام الماضي، وخوفا من نمو غزو الصادرات الصينية للأسواق الأمريكية وأثرها السلبي على بعض المنتجات الأمريكية، فقد بدأ الرئيس الأمريكي دق الجرس بعد أن وقع قرارا بالسماح لبلاده بفرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة (60) مليار دولار وهو قد تكون له آثار سلبية على الاقتصاد الصيني، وهو قرار تاريخي وإستراتيجي لم يستطع أي رئيس أمريكي سابق أن يتخذه وإنما كانوا يلوحون به تخويفا لمنافسيهم وعلى وجه الخصوص الصين والتي تُتهم دائما من الرؤساء السابقين بأنها تتلاعب بالعملة دعما لصادراتها واقتصادها.
والحقيقة من وجهة نظري أن قرار الرئيس (ترمب) كان قرارا عنيفا في معاقبة الصين لكونها متهمة بالعدوان الاقتصادي على الأسواق العالمية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية لبلاده بحسب بعض التقارير الرسمية، ومع بداية هذه الحرب بقرار الرئيس الأمريكي يصعد السؤال كيف سيتعامل الرئيس الصيني مع هذا القرار، وما هي ردة الفعل التي سيتخذها لحماية اقتصاد بلاده ولاسيما أنها كانت في الماضي ترد على التهديدات الأمريكية قبل القرار بأنها ستمارس حقها في الرد لحماية اقتصادها، وبالفعل أعلنت الصين بعد القرار الأمريكي أن هناك قائمة من المنتجات الأمريكية قد تفرض عليها رسوما جمركية بقيمة 3 مليارات دولار كرد مبدئي لإعلان قرار (ترمب)، وفي وجهة نظري إن كفة الولايات المتحدة في هذه الحرب الاقتصادية سوف ترجح ولكن القضية ليست نجاح وفشل الطرف الآخر، القضية الرئيسية في وجهة نظري هي حجم الخسارة للطرفين، وهذا ما صرح به وزير التجارة الصيني حيث قال إن بكين لا ترغب الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة ولكنها لا تخشى إطلاقا من الحرب التجارية وستخوضها حتى النهاية إذا اضطرت إلى ذلك، وخوفي الشديد أن الحرب التجارية بين الدولتين العظميين ستؤثر سلبا على الأسواق الأمريكية والصينية وأكبر المتضررين هي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تتحمل الحروب التجارية، وستخسر أسواقا مهمة لها ولا نغفل الأثر الأكبر على (Multinational companies) عابرة القارات المستثمرة في الصين، وعلى وجه الخصوص الأمريكية التي تعتبر الأكبر استثمارا في الصين تليها ألمانيا، وستتأثر أيضا الشركات الصينية المستثمرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أكبر الشركات التي ستتأثر لو الصين ردت على أمريكا بقرار مماثل شركة (أبل) و(بوينج) و(انتل) وغيرها، حيث حققت شركة (أبل) ما نسبته (20%) من إجمالي مبيعاتها من السوق الصينية بمقدار (18) مليار دولار، وبلغت إيرادات شركة (بوينج) في السوق الصيني حوالى (12) مليار دولار بما يساوي 13% من إجمالي مبيعاتها العالمية.
كما توجد كل من شركة (انتل) و(نفيديا) و(ميكرون) و(كوالكوم) و(تكساس انسترومنتس) في الأسواق الصينية بحجم كبير وتعتمد عليها شركات تكنولوجيا محلية عديدة.
كما بلغت مبيعات شركة (نايكي) في الصين خلال الربع الرابع من العام الماضي حوالى (1,2) مليار دولار وهو يمثل 15% من إجمالي إيراداتها، وباعت شركة (جنرال موتورز) 4 ملايين سيارة في الصين في عام 2017م عبر شركاء صينيين، كما تعتبر شركة (ستاربكس) السوق الصينية أكبر سوق عالمية لها خارج الولايات المتحدة إذ تحقق لها 14% من إجمالي إيراداتها.
وأرى أنها حرب خاسرة على الطرفين لو استمرا فيها، وعلى القادة في الدولتين العظميين الأخذ في الاعتبار أن هناك أسواقا واقتصادات عالمية لها ارتباط كبير بهذه الحرب وستتأثر سلبا.
آمل أن لا نخوض هذه الحرب لأنها ستدمر الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص سوق الأسهم والعملات العالمية.
التعليقات