محمد السعد
هل الرضوخ للغة الإنجليزية في شركة أرامكو يعد حاجة ملحة وضرورة لا مناص عنها؟ أو هو من باب العرف والعادة؟ قد نبرر هذا الحضور الطاغي للغة الإنجليزية في حقبة الخمسينات والستينات، ولكن ما الداعي لهذا الحضور في وقتنا الحالي بعد أن أصبحت أرامكو شركة وطنية سعودية 100% تديرها كفاءات وطنية؟!
أهم حركة تعريب مرت على العالم العربي والإسلامي، تلك التي قام بها عبدالملك بن مروان في العصر الأموي، حين صبغ الإدارة المالية للدولة بالصبغة العربية، فكانت حركة تعريب الدواوين أهم حدث ثقافي وسياسي بعد جمع القرآن، وهي خطوة حضارية هامة أسهمت في سرعة انتشار اللغة العربية في البلاد المفتوحة.
حركة التعريب الكبرى التي قادها عبدالملك بن مروان، والتي شملت: تعريب النقود وتعريب الطراز والقراطيس والوثائق الرسمية، وتعريب دواوين الخراج، كان لها دور كبير في تحرير النظم الإدارية والاقتصاد الإسلامي من تبعية الدول الأجنبية من خلال صبغها بالصبغة العربية الخالصة.
كانت حركة التعريب أول عملية ترجمة منظمة أدت إلى نقل كثير من المصطلحات القبطية والرومانية والفارسية إلى العربية، حتى أصبحت اللغة العربية لغة مزدهرة ومقياسا للعلم والثقافة، مما اضطر الموظفين غير العرب على تعلم العربية بدافع المصلحة الذاتية حتى لا يفقدوا وظائفهم.
لا شك لدينا هنا بأن عبدالملك بن مروان قد قدم خدمة جليل للغة العربية، ورفع مركزها حين جعلها لسانا حضاريا للأمة العربية والإسلامية التي كانت تمتد آنذاك من حدود الهند والصين إلى سواحل المحيط الأطلسي، متجاوزا كل العوائق والمثبطات في سبيل تحقيق المكانة المرموقة للسان العربي. طرحنا هذه المقدمة الموجزة لما قام به عبدالملك بن مروان، حتى يكون نموذجا تحتذي به أكبر شركة نفط في العالم وهي شركة أرامكو السعودية، التي تعيش اللغة العربية حالة من الغربة والتهميش بين أوراق معاملاتها ووسط مقراتها المنتشرة بين دول العالم.
تنتشر بين الموظفين هناك المصطلحات الإنجليزية مثل الوباء، فكل المصطلحات الإنجليزية الإدارية والمالية والتقنية والتخصصية وغير التخصصية شائعة ويومية وروتينية مع وجود اللفظ البديل بالعربي، وكل الصادر والوارد وكل المراسلات بين الموظفين السعوديين وبطاقات التهنئة والتقارير الوظيفية والتقارير الطبية تتم باللغة الإنجليزية، مع أنه لا يوجد أي ضرورة لوجود الإنجليزية بينهم، فالرئيس والمرؤوس والمرسل والمرسل إليه والمحاضر والمتلقي كلهم من الناطقين بالعربية. أضف لها أن الشرط الأول والأخير للقبول في شركة أرامكو هو إتقان اللغة الإنجليزية مع أن 90% من الاستخدام للغة الإنجليزية بين جدران ومقرات الشركة غير ضروري وزائد عن الحاجة، يؤكد هذا الكلام نسبة السعودة في الشركة التي شارفت حاجز 90% من عدد الموظفين.
هل الرضوخ للغة الإنجليزية في شركة أرامكو يعد حاجة ملحة وضرورة لا مناص عنها؟ أو هو من باب العرف والعادة؟ قد نبرر هذا الحضور الطاغي للغة الإنجليزية في حقبة الخمسينات والستينات، ولكن ما الداعي لهذا الحضور في وقتنا الحالي بعد أن أصبحت أرامكو شركة وطنية سعودية 100% تديرها كفاءات وطنية؟! ولا أعتقد بأن كفاءة التشغيل وجودة المخرجات ستتأثران لو فتح المجال للغة العربية وصارت هي وسيلة التخاطب الأولى في الشركة.
دور شركة أرامكو غير مقتصر على الاقتصاد والسياسة، فلها أدوار لا تقل شأنا عن الدور الاقتصادي، كونها أهم شركة سعودية وأكبر شركة عالمية، وأهم هذه الأدوار التي يجب أن تلقي لها الشركة اهتماما يتمثل في الجانب الثقافي والاجتماعي للمملكة العربية السعودية، ولا أظن أن هذا الترسيخ للغة الإنجليزية في المعاملات الإدارية سيصب في مصلحة الثقافة السعودية كونها ثقافة قائمة على اللغة العربية.
شركة أرامكو هي الشركة الأهم محليا، وعندما تفتح أبوابها المغلقة في وجه اللغة العربية فإنها ستفتح الطريق لباقي الشركة المحلية للاقتداء بها، فاللغة العربية تعاني في القطاع الخاص عموما وليس في شركة أرامكو خصوصا، وهذه الخطوة سوف تعزز من عملية تحرير الثقافة المحلية من اعتمادها على اللغات الأجنبية.
التعليقات