فيتالي نعومكين
رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية/ موسكو
خلافاً لأغلبية الرؤساء الأميركيين السابقين، يبدو أن دونالد ترمب ينفذ وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، واحداً تلو الآخر. بقي وعد واحد: التوصل إلى اتفاق مع روسيا. لكن حول ماذا؟
بالطبع، إن المحادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين، والتي جاءت بمبادرة من الرئيس الأميركي، هي في حد ذاتها اختراق في العلاقات التي وصلت إلى أخطر أدنى مستوياتها الحرجة، لكن من المستبعد أن يكون رئيس الولايات المتحدة يخطط فقط لـ«توليف عقارب الساعة»، إذ لا يمكن ألا يعوّل على نتائج محددة على الأقل في بعض قضايا جدول الأعمال الواسع.
في ما يتعلق بالجهة الروسية، حسب تصريحات الرئيس بوتين والدائرة المقربة منه، وبالدرجة الأولى مساعده يوري أوشاكوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، فإن الكرملين ينظر إلى اللقاء في حد ذاته كحدث إيجابي للغاية، غير أنه لا يبني أوهاماً على إمكانية خروجه بنتائج محددة. وكما عبّر عن ذلك الناطق الصحافي باسم الكرملين ديميتري بيسكوف بقوله: في الكرملين لا يرتدون «النظارات الوردية» قبل اللقاء.
ولاحظ محللون أن الرئيس الأميركي يتطرق أكثر من الرئيس الروسي في حديثه إلى جدول أعمال لقاء القمة وكذلك إلى مطالبه التي يحملها معه إلى الرئيس بوتين في هلسنكي. أما النخبة السياسية الأميركية، التي في قوامها عدد كبير من المعارضين لأي تحسن في العلاقات مع موسكو، فتبذل قصارى جهدها حتى اللحظة الأخيرة سعياً لإفساد أجواء أول لقاء واسع النطاق بين الرئيسين.
هكذا قيّم الكرملين الاتهامات الزائفة، كما يُنظَر إليها في روسيا، التي وجّهتها وزارة العدل في الولايات المتحدة قبل ثلاثة أيام من القمة إلى 12 موظفاً في دائرة الاستخبارات العامة للقوات المسلحة الروسية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، مرفقة بقائمة بالأسماء (إلى هذا اليوم وجّهت الاتهامات إلى 19 شخصاً، منهم: 13 مواطناً روسياً و5 مواطنين من الولايات المتحدة وهولندي واحد). وزارة الخارجية الروسية وصفت التحقيق الذي يجريه المدعي الخاص روبرت مولر بـ«كوميديا مخجلة ومخزية للولايات المتحدة».
ولا شك في أن ترمب سيطرح في هلسنكي موضوع هجمات الهاكر (القراصنة) الروس المزعومة. لكن هل يمكن التوقع أن يستطيع الطرفان التوصل إلى اتفاق حول التعاون في مجال الفضاء السيبراني؟ مثل هذا التعاون، الذي تدعو إليه موسكو، سيكون في مصلحة دول العالم أجمع بما فيها دول الشرق الأوسط.
بنفس القدر، فإن الشرق الأوسط له مصلحة في إعادة علاقات التعاون بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية في مجال الأسلحة الاستراتيجية وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. يمكن التوقع أن يتفق الطرفان على تمديد معاهدة تقليص والحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت - 3) حيث على ما يبدو لا توجد عقبات كبيرة تمنع ذلك.
الشرق الأوسط، وبالدرجة الأولى الوضع في سوريا، سيكون في مركز اهتمام الرئيسين خلال لقاء القمة في هلسنكي. لا شك في أن ترمب سيحاول، كما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي زار موسكو مؤخراً، إقناع نظيره الروسي ببذل قصارى الجهد لإخراج القوات الإيرانية من سوريا. هذه المسألة بالنسبة إلى روسيا، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية لافروف «غير واقعية على الإطلاق». نتنياهو وصف، خلال لقائه مع بوتين، وجود العسكريين الإيرانيين في سوريا بأنه «غير مقبول».
أما مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي أكبر ولايتي الذي زار مؤخراً العاصمة الروسية، موسكو، فقد صرح بأن الوجود في سوريا «لا علاقة له نهائياً بإسرائيل». فحسب قوله، إيران ستسحب عسكرييها من سوريا والعراق حال طلب سلطات هاتين الدولتين ذلك. من السهل افتراض أنه كي تتوجه السلطات السورية بمثل هذا الطلب إلى إيران فمن الضروري أن يكون هناك تقدم في الوضع حول الأزمة السورية. وهل ستساعد بذلك قمة هلسنكي؟ ما يبعث على بعض التفاؤل، رغم كل الخلافات بين موسكو وواشنطن حول هذه القضية، هي المهمة المشتركة التي توحدهم في مكافحة الإرهاب والتمسك بمبدأ الحفاظ على وحدة سوريا. على أي حال بالنسبة إلى روسيا هذا المبدأ ثابت بشكل مطلق. عليه فإن نقاشات الخبراء، من الذين ليس لهم إلمام كافٍ بالوضع، في ما يتعلق بالاتفاقات المحتملة على تقسيم هذا البلد إلى مجالات نفوذ مزعومة، هي هراء فارغ. غير أنه هل يمكن الافتراض أن يذهب ترمب بشروط معينة إلى سحب العسكريين الأميركيين من سوريا؟ وما هذه الشروط؟ هناك شك في أن يحدث هذا في المستقبل القريب.
إن عدم تطرق الرئيس الأميركي، خلال حديثه عن القمة المقبلة في الفترة الأخيرة، إلى القضية المؤلمة والمعمرة، أي القضية الفلسطينية، له دلائله. حتى إنه لم يُدْخلها ضمن جدول أعمال القمة. في الوقت نفسه، فإن نتنياهو في الفترة الأخيرة يبتعد عن نقاش هذه القضية خلال محادثاته مع القيادة الروسية، كأنه يحاول نقل كل «ملف» الأزمة الفلسطينية - الإسرائيلية إلى الرئيس الأميركي.
رئيس الولايات المتحدة هو أيضاً يبدو لا ينتظر أي اختراقات من هذه القمة. هذا ما صرح به خلال زيارته التي جرت مؤخراً لبريطانيا. لكن ما يلفت الانتباه هو زلّة لسان ترمب خلال مؤتمره الصحافي في 13 يوليو (تموز) في لندن، التي يمكن الاستنتاج منها أن هناك شيئاً «استثنائياً» يمكن حدوثه. فإذا دار الحديث عن نتائج اللقاء فمن الصعب تصديق ذلك. لكن مع الأخذ بعين الاعتبار رغبة ترمب في إجراء لقاء منفصل على انفراد يمكن فرض احتمال أن يضع على الطاولة أمام الرئيس الروسي مسائل غير متوقعة والتي لن تعرف عنها وسائل الإعلام. ما الذي يمكن أن يطرحه؟ هل «قضية سنودن» المنسية اليوم بربطها مع موضوع التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية؟ أم أفكار ما للعمل المشترك ضد التهديدات السيبرانية؟ أو حول العمل المشترك في مجال عدم انتشار الأسلحة النووية؟
لا تزال نظرة أغلبية الروس، في ظروف الضغوط الأميركية غير المسبوقة على روسيا عن طريق العقوبات، سلبية تجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. حسب ما كتبه الخبراء من مركز «كارنيغي» في موسكو ومركز «ليفادا» لاستطلاع الرأي، فإن نسبة هؤلاء 69 في المائة (بالمناسبة، مسألة العقوبات لا ينوي الكرملين مناقشتها خلال لقاء القمة). لكن مع ذلك، حسب معلومات أولئك الخبراء «يتشكل طلب في المجتمع الروسي على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية». السبب براغماتي بحت، ويكمن في أنه حال تحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن فإن الناس يعوّلون على تحسن وضعهم الاقتصادي. لكن ما هذه النتائج التي يمكن أن يعلّقون آمالهم عليها؟
أقل النتائج المضمونة لهذه القمة ستكون هي إعادة بناء الاتصالات كاملة النطاق بين قادة الدولتين العظميين، التي كما أتوقع، ستؤدي إلى إعادة بناء الاتصالات الروسية - الأميركية الرسمية على المستويات المختلفة. في هذا السياق النتيجة المثالية التي بإمكانها أن تتجاوب مع مصلحة الطرفين هي استئناف عمل اللجنة الرئاسية الروسية - الأميركية.
* رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية - خاص بـ«الشرق الأوسط»
التعليقات