& عبدالله الزازان

&الفكر الإيراني موجه لتعزيز الضدية، فثمة مضادات نشطة في بنية الوعي تحول دون كسر النسق الفكري، إذ يتحصن هذا الفكر داخل ترسانة من الممانعات الرادعة عن التسويات تتم عبر تماسك مؤسسي، وهذا ينزع إلى تحقيق الذات وليس إلى إحقاق الحق والخضوع تحت سلطة الموروث الطائفي..

ربما حان الوقت للوقوف على واقع سياسات إيران في المنطقة وضبط حركتها والتي تشهد اليوم مخاضات في لبنان وسورية واليمن والعراق.

وهذا يضعنا أمام حقيقة أن السياسات الإيرانية في المنطقة لا تقوم على واقع أخلاقي وإنما بانفصال الأخلاق عن السياسة، وذلك ليس لتناقض بين الأخلاق والسياسة بقدر ما هو ترتيبات أصلتها النزعة الانتهازية العدوانية المتأصلة التي تحكم السياسات الإيرانية.

وهذا يدفعنا إلى الكيفية التي يجب أن نقرأ بها الواقع الإيراني، فهناك مشكلة فكرية تتمثل في أن ولاية الفقيه أصبحت عاجزة عن استيعاب واقع هذا العصر والإصرار على عدم إحداث أي تغيير أو تبديل في الفكر والمنهج، وبالإضافة إلى هذه المشكلة الفكرية نشأت مشكلة ثقافية وهي حالة التآلف والتأقلم الثقافي باعتبار أن الخصائص الثقافية الإيرانية تقوم على موروث طائفي فعاشت في عزلة اختيارية داخل النسق الطائفي مما يجعل مهمة التقارب مع العالم بالغة الصعوبة.

فالفكر الإيراني موجه لتعزيز الضدية، فثمة مضادات نشطة في بنية الوعي تحول دون كسر النسق الفكري، إذ يتحصن هذا الفكر داخل ترسانة من الممانعات الرادعة عن التسويات تتم عبر تماسك مؤسسي.

وهذا ينزع إلى تحقيق الذات وليس إلى إحقاق الحق والخضوع تحت سلطة الموروث الطائفي بما يضخه من تعاليم ونصوص ومواقف وخصومات وكراهية وعداوات.

فالفكر السياسي الإيراني يعد من أشد التعبيرات غموضًا في العصر الراهن، وحتى المفكر سوف يجد نفسه أمام أطروحة غير محددة المعالم إطلاقًا.

ولذلك فنحن أمام فكر سياسي يستوجب محاولة فهمه، وذلك بالتركيز على المكون التاريخي وموجهاته الفكرية وتشابكاته التاريخية المعقدة.

ذلك أن بنية الكراهية اتجاه الآخر لاسيما إذا كان هذا الآخر عربيًا هي التي تتحكم في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية.

فإيران - كما لا يحتاج إلى نقاش - ذات مواقف متحاملة ضد الغير، وبمرور الزمن أصبحت ثوابت تحكم الاستراتيجية الإيرانية مما يلقي بشكوك حادة على مدى مصداقية السياسات الإيرانية اتجاه قضايانا، فعلى مدى سنوات طويلة لم يستطع النظام السياسي الإيراني أن يصنع لنفسه هذه المصداقية ابتداءً.

صور كثيرة تعطينا انطباعًا واضحًا عن سياسات إيران في المنطقة مما يقتضي وضع تلك السياسات تحت مجهر البحث العلمي.

فالفكر الذي يتأسس على تقسيم الناس إلى طوائف تتفاوت في حدودها لهو فكر ظالم مهما حاول أن يتذرع بالحيل التاريخية في تبرير هذا الظلم.

واليوم يواجه العالم العربي معضلة كبرى من جراء هذا الفكر السياسي وهي معضلة في غاية التعقيد والخطورة وبالذات بعد أن جهر النظام الإيراني بعدائه الطائفي.

فالاستقراء الموضوعي يكشف لنا بوضوح أن السياسات الإيرانية تسببت في معضلات ومشكلات كثيرة أصبحت فيه إيران وبأيدي حلفائها ووكلائها في المنطقة أداة تدمير سياسي، فلم يعد سرًا ما يطمح إليه ساسة إيران في محاولة بسط نفوذهم في المنطقة وما يمثلونه من خطر على السلم الإقليمي.

فقبضة النظام الإيراني على المنطقة لم تتراخ في السنوات الماضية، وعداؤه المستحكم في العراق وسورية ولبنان في تزايد واليمن لولا عاصفة الحزم.

فسلوكه الطائفي وغير الإنساني موجه لغرض واحد وهو وضع العالم العربي تحت الهيمنة والنفوذ الإيراني.

ففي تسعينات القرن العشرين ظهرت المقدمات المنهجية لهذا الفكر، والتي تعود صياغته الأولى إلى حالة المزج التي حدثت في أفغانستان على أيدي القوى المتشددة والذي استثمره النظام الإيراني ونسجه ضمن خطه السياسي والاستراتيجي، فأنتج خطوط التطرف الإقليمي والتي نرى نتائجها اليوم في الخط السياسي العدواني لحزب الله في لبنان وجماعة الحوثيين في اليمن والميليشيات الإيرانية في العراق وسورية.

فالانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية أحد المتغيرات التي هددت في العقود الأخيرة بنية اليمن، وذلك من خلال تبني إيران لبدر الدين الحوثي بعد انفصاله عن المذهب الزيدي وتحوله إلى المذهب الاثني عشري رغم أن البيئة اليمنية لم تعرف في تاريخها هذا الفكر الاثني عشري.

نهل بدر الدين الحوثي في قم أفكار ولاية الفقيه، وعندما عاد إلى اليمن صرح بأفكاره الجديدة وأسس حزبًا سياسيًا على طريقة حزب الله في لبنان، وبالذات بعد أن توثقت علاقته بولاية الفقيه وهذا بالضبط ما كانت تريده إيران حركة دينية متطرفة ذات تبعية واسعة تتحدث باسمها وتنشر تعاليمها ولها علاقاتها التي تمارس به نفوذها في السياسة اليمنية في محاولة لتنشئة اليمن من جديد على نهج ولاية الفقيه وعلى طريقة حزب الله في لبنان ليصبح أداة سياسية لإيران في المنطقة.

فاستراتيجية كلا الحزبين الحوثيين وحزب الله تقوم على التخطيط لتشريع الحروب والتحكم في مصائر الآخرين وممارسة الضغط والمحاصرة وزعزعة الأمن الداخلي مما يعكس خطورة كلا الحزبين على العالم العربي.

فالتنظيمان أحد أهم مشروعات الحرس الثوري الإيراني يتبعان في ولائهما الولي الفقيه، ويقومان على منظومة من المؤسسات والهيئات والشبكات والحوزات والنقابات المؤسسة على فكرة الحرب والنزاعات في نظرية تجمع القتال إلى السياسة.






&