تبادلت الولايات المتحدة والصين انتقادات حادة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي اليوم، بشأن "طريق الحرير الجديد"، المشروع الصيني الضخم لإقامة مشاريع بنى تحتية ضخمة عبر العالم.
وبحسب "الفرنسية"، فقد كان الاجتماع مخصصا بالأساس لبحث قرار حول أفغانستان، غير أن التوتر بين بكين وواشنطن أرغم مجلس الأمن على التصويت، من أجل تمديد مؤقت لمهمة الأمم المتحدة في هذا البلد لستة أشهر عوضا عن سنة كاملة.
و"طريق الحرير الجديد" المعروف رسميا بمبادرة "الحزام والطريق" مشروع صيني عملاق يشارك فيه 123 بلدا، يهدف إلى إقامة طرقات وسكك حديد وموانئ في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى.
وتهدف مبادرة بكين "طريق الحرير الجديد" إلى بناء سكك حديد وطرق وموانئ في أنحاء العالم باستخدام قروض صينية بمليارات الدولارات.


وانتقد جوناثان كوهن السفير الأمريكي بالوكالة لدى الأمم المتحدة، مطالبة الصين بذكر هذه المبادرة في نص القرار "رغم علاقاتها المحدودة جدا مع أفغانستان، ومشكلاتها المعروفة المتعلقة بالفساد والمديونية والإضرار بالبيئة وقلة الشفافية".
واتهم السفير الأمريكي بالوكالة لدى الأمم المتحدة، الصين بارتهان المفاوضات حول أفغانستان في الأمم المتحدة "بتركيزها على الأولويات السياسية الوطنية الصينية بدلا من الشعب الأفغاني".
ورد وو هايتاو، مساعد السفير الصيني لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن، معتبرا أن الاتهامات الأمريكية "تتعارض مع الوقائع ومليئة بالأفكار المسبقة".
وأكد هايتاو، "أنها مبادرة تعاون اقتصادي تهدف إلى تحقيق النمو والازدهار المشتركين، ولا علاقة لها إطلاقا بالاعتبارات الجيوسياسية".
ويتضمن القرار الصيني حول البعثة في أفغانستان منذ عام 2016 إشارة إلى تعاون مع مشروع البنى التحتية الصيني.


ويندرج الإصرار الأمريكي على سحب هذه الإشارة من النص في سياق انتقادات وجهها مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي عام 2018 لهذه المبادرة الصينية باعتبارها تسببت في مديونية كبيرة لعدد من البلدان.
وتجري مفاوضات تجارية شاقة بين الولايات المتحدة والصين في ظل الحرب التجارية التي باشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرضه رسوما جمركية مشددة على واردات من الصين، ردت عليها بكين بتدابير مماثلة.
وحذرت الولايات المتحدة إيطاليا من المشاركة في مشروع "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، مشيرة إلى أن روما بذلك يمكن أن تضر "العمل المشترك" لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بينما تضع نفسها تحت رحمة سياسة بكين الاقتصادية.
وقال جاريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إنه من خلال الضغط على إيطاليا لكي تشارك في مبادرة الصين الجديدة، "يبدو أن بكين تعتقد أن إيطاليا ضعيفة اقتصاديا أو قابلة للتلاعب بها سياسيا".
ويتوجه الرئيس الصيني شي جين بينج إلى روما الأسبوع الحالي لتوقيع اتفاقية إطارية لمستقبل الصفقات الاقتصادية الصينية. وستكون إيطاليا أول عضو في نادي مجموعة السبع (تجمع أغنى الديمقراطيات في العالم) ينضم إلى المبادرة الصينية.
وأضاف ماركيز أن إيطاليا ستظل "حجر زاوية لحلف الناتو" حتى إن انضمت إلى المبادرة الصينية، مضيفا: "ومع ذلك، يساورنا القلق جديا من إمكانية أن تكون هناك عواقب على العمل المشترك للحلف خاصة فيما يتعلق بالاتصالات والبنية التحتية الحيوية المستخدمة في دعم مبادراتنا العسكرية المشتركة".
وتابع ماركيز: "ننصح عديدا من الدول بأن تكون واعية بمخاطر اعتماد مبادرة الحزام والطريق، ولاسيما تلك الدول التي تسعى بشكل نشط نحو الاستثمار الأجنبي المباشر".
وسبق أن وصفت الولايات المتحدة نهج الصين تجاه استثماراتها الاقتصادية في الدول الأخرى بأنه "قائم على الجشع".


وحذر مسؤول أمريكي من أن "النهج الذي تتبعه الدولة" في الصين لتطوير البنية التحتية سهل الفساد وألحق الضرر بالحوكمة الاقتصادية وأضر بفرص القطاع الخاص لدى الدول المتلقية لتلك المشاريع.
إلى ذلك، عبرت الولايات المتحدة أمس عن معارضتها لهيمنة صينية على أكبر شركة كهرباء في البرتغال وسط تصاعد المنافسة التجارية بين واشنطن وبكين.
وقال جورج جلاس السفير الأمريكي في لشبونة إن بلاده تعارض عرض الشراء الذي قدمته مجموعة "ثري غورجز" الصينية العامة لشركة الطاقة الكهربائية للبرتغال (آي دي بي) أكبر شركات البلاد، التي تملك الشركة الصينية أصلا 23 في المائة من رأسمالها، وأيدت الحكومة البرتغالية الصفقة.
وأوضح السفير الأمريكي لأسبوعية "جورنال إيكونوميكو" الصادرة أمس: "نحن نعارض تماما هذه العملية.. إن (آي دي بي) تسيطر على 80 في المائة من الطاقة الكهربائية في البرتغال. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة.. يجب ألا يملك كيان أجنبي طاقتكم الكهربائية.. يجب أن تكون تحت سيطرة الأمة أو مستثمرين خاصين يخضغون للقانون الوطني".


واضطرت البرتغال في أوج أزمتها الاقتصادية في 2011 بدفع من الاتحاد الاوروبي إلى خصخصة شركاتها العامة في مقابل قرض بقيمة 78 مليار يورو.
ومنذ ذلك التاريخ لم تستثمر الصين في شركة الكهرباء فحسب بل أيضا في أكبر بنك خاص برتغالي "بي سي بي"، وأهم شركة تأمين برتغالية "فيداليديد" وشركة إدارة الشبكة الكهربائية "آر اي إن" وشركة الطيران البرتغالية "تي إيه بي".
وقررت البرتغال فتح أكبر موانئها "سينس" الواقع على بعد 100 كلم جنوب لشبونة، للمشروع الصيني العملاق "طرق الحرير الجديدة" الهادف إلى تطوير المبادلات التجارية للصين بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2018 وقعت شركة الاتصالات البرتغالية "إم اي أو" اتفاق تعاون مع عملاق الاتصالات الصيني "هواوي" لتطوير شبكة الجيل الخامس (جي5).


وتقوم واشنطن بحملة لاقناع حلفائها بمخاطر التجسس الصيني في حال استخدمت في شبكاتها للاتصالات من الجيل الخامس، تجهيزات "هواوي" وهي الأكثر تطورا في السوق.
وكررت سلطات لشبونة مرارا أنها "ليست قلقة من الاستثمار الأجنبي"، وذكر رئيس وزرائها أنطونيو كوستا في بداية آذار (مارس) لصحيفة فاينانشيال تايمز، أن "الصينيين يحترمون تماما إطارنا القانوني وقواعد السوق".
وعزز الاتحاد الأوروبي إمكانات مراقبته للاستثمارات الصينية، لكن لشبونة حذرت شركاءها من النزعة الحمائية التي تغلق السوق أمام الابتكارات الجديدة.