حمود أبو طالب

كتبت يوم 8 أبريل مقالاً عنوانه «هل يفعلها البشير» ختمته بهذه العبارة: «كثّر الله خيرك يا فخامة الرئيس، وسيكون جميلا منك لو استبقت الأمور باحترام مطالب الشعب وهيأت السودان لمرحلة انتقالية آمنة وسلسة، سوف تصبح رمزاً لو فعلتها وخلدت الى الراحة بعد ثلث قرن من الحكم». كانت لدى البشير فرصة عمره الأخيرة لكي يفعلها وينجو وينجو السودان معه من مخاطر جديدة لا يحتملها كاهله الذي ينوء بمتاعب مزمنة، لكنه لم يفعلها ففعلها به الرفاق، وأحالوه خلال ساعات إلى معتقل قيد الإقامة الجبرية، سقط وسقطت معه عصاه التي كان يلوّح بها في الهواء مهدداً الدول العظمى والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وكل المنظمات الحقوقية بأنه سيخسف بكل من يقترب منه أو يهدده، ومع تلويحه بالعصا كان يدق بحذائه الأرض وحفنة من العصابة المحيطة به مع جموع من المرتزقة تصفق وتهتف أمام كاميرات التلفزة.

البشير سجل أسوأ فترة حكم في تاريخ السودان، فقد البوصلة سريعاً بعد فترة قصيرة من انقلابه على مرحلة ذهبية قادها العظيم سوار الذهب، شكّل أغرب تحالفات ابتداء بأفاعي وعقارب التنظيم الإخواني وتبادل معهم لعبة الكرسي والسجن على حساب الشعب المنكوب بهم، ثم إيران وقطر وتركيا، آوى الإرهابيين وارتكب نظامه مجازر في دارفور، انقسم السودان في عهده إلى سودانين، وختمها ببيع جزيرة سودانية لأردوغان الذي أراد عودة تركيا إلى ماضيها من خلاله. فقد السودان آلاف التكنوقراط إما بالهجرة أو في السجون، هبط اقتصاده إلى القاع، عقوبات قاسية ومعاناة مؤلمة لشعب من أجمل شعوب العالم.

ولكن هل سيكون الوضع السوداني على ما يرام بعد انقلاب الجيش على البشير وإعلان البيان الأول، لا يبدو الأمر كذلك لأن النظام سيبقى والدولة العميقة المحيطة بالبشير هي التي ستتولى زمام الأمور. الشعب لم يمتثل لحظر الاعتصام ولم يغادر ساحة مبنى القوات المسلحة، استجار بالجيش لتخليصه من البشير لكنه لا يريد الجيش أن ينتج بشيراً آخر. صعب أن يقبل الشعب السوداني مرحلة انتقالية عسكرية لمدة عامين في ظل القرارات والإجراءات الأخرى التي أعلنها المجلس العسكري، فهل سيصطدم الجيش مع الشعب إذا لم يغادر ساحات الاعتصام، إنها كارثة لو حدث ذلك.

نتمنى أن ينعم هذا البلد الجميل والشعب الرائع بحياة سياسية مدنية تليق به وبإنسانه وتاريخه العريق.

&