عبدالله بن بخيت

&يتشكل جهاز الجوال الذي بين يديك من عناصر ثلاثة؛ الجهاز وبرنامج التشغيل الأساسي والتطبيقات. فجهاز الآي فون يختلف عن سامسونغ عن أجهزة الويندوز. لا يمكن أن تأخذ تطبيقاً من آي فون وتستفيد منه على سامسونغ دون أن تجري عليه تعديلات وإعادة برمجه حتى تتمكن من الاستفادة منه خارج برنامجه الأساسي. يقودني هذا إلى المجتمعات والأمم، لكل أمة أو مجموعة من الأمم برنامج تشغيل أساسي يقبل أو يرفض تطبيقات تأتي من برامج تشغيل أخرى مختلفة.

بعد مئتي سنة عندما يقارن باحث بين النظام السياسي البريطاني والنظام السياسي السوري سيدهش من شدة التشابه، رئيس منتخب في سورية ورئيسة منتخبة في بريطانيا، برلمان منتخب في سورية وبرلمان منتخب في بريطانيا، نقابات هنا ونقابات هناك. سيسأل بدهشة لماذا انهار النظام السوري وصمد النظام البريطاني.

عندما استولى العسكر على السلطة في بعض البلاد العربية بحثوا عن شرعية، لا يمكن أن يقفز إلى السلطة إنسان نبت في المجهول. لا يعلم الناس هل هو رجل فاضل أم رئيس عصابة؟ لا تكفي البيانات الرنانة التي يطلقها أو تخوين السلطة السابقة ليكون مقبولاً من المجتمع. قيادة البلاد تحتاج إلى شرعية.

مثلت الأنظمة الغربية بديموقراطيتها نموذج يمكن أن يقتبس ولكنه يتضمن مشكلة أساسية لا قبل لهم بها. أزال العسكر بعض العناصر التي لا تتفق مع أهدافهم. أزالوا جوهر الديموقراطية، ألغوا تبادل السلطة السلمي وحذفوا حرية الرأي فلم يبق منه سوى صورة مشوهة لا علاقة لها بالأصل إلا بالاسم. بلغة أخرى تم تكييف النظام الديموقراطي بحيث يتفق مع نظام التشغيل الأساسي الذي اعتمدوا عليه في انقلابهم، فتاهَ فخامة الرئيس.. خرج من انتمائه للناس أو أسلوب القيادة التقليدي الذي توارثه العرب عبر قرون ولم ينتمِ للنظام المستورد، تشكل نظام عشوائي هجين بلا هوية تقبلها الناس وتتعايش معها وبلا مستقبل. أصبح رأس السلطة في تلك الدول فارغاً، الحكم قائم على القمع والفساد والعزلة عن ثقافة الناس.

عندما تقرأ تاريخ تلك الحكومات سترى أنها قائمة على بحث محموم عن هوية محلية، تحدثوا عن الثورية وتحدثوا عن الوطنية وأخيراً لجؤوا إلى حكاية تطبيق الشريعة كآخر ذريعة للبقاء في الحكم وفشلت كما فشلت سابقتها، ما حدث في بعض البلاد العربية لا يمكن أن يطلق عليه ربيع؛ فالأقرب أن نسميه انهيار الزيف.