رائد برقاوي

الشارقة هذه المدينة الإماراتية المشرقة باتت تسكن في ضمير كل مثقف عربي، فجهودها لا تهدأ في سبيل خدمة مفاصل الثقافة كافة، جهود تتوزع على مختلف أوجه الإبداع، وتصل به إلى جهات الدنيا الأربع.
نشاط الإمارة الباسمة مكوكي على مدار العام، نشاط تشارك فيه وتنظمه مختلف مؤسساتها الثقافية، نشاط ينطلق من بذرة زرعها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة منذ سنوات طويلة، وثمارها باتت واضحة للجميع، تسحر العقول وتلامس القلوب، لتخبر الجميع أن دولة الإمارات تفتتح فصلاً جديداً ومجيداً في تاريخ الثقافة العربية وهي تستعيد مكانتها مرة أخرى، حيث تحجز لها مقعداً متقدماً بين ثقافات العالم المتقدم.
تحل الشارقة هذه الأيام ضيفاً على معرض تورينو للكتاب، وذلك في ظل احتفاء أوروبي لافت بالعاصمة العالمية للكتاب في زمن قياسي، ففي العام الماضي احتفت بها باريس، ولن تمضي بضعة شهور قليلة حتى تحل ضيفاً على معرض موسكو للكتاب في سبتمبر المقبل، مع حضورها بقوة في برلين ولندن كل عام.
الاحتفاء بالشارقة في المراكز الكبرى في قارة الثقافة هو احتفاء بحاكمها المثقف، وبالثقافة الإماراتية والعربية، هو اعتراف بأهمية تلك الثقافة وقيمتها ومكانتها وثقلها في الثقافة العالمية، هو مكسب للإمارات على المستويات كافة، الثقافية والحضارية والدبلوماسية، بوصفها وطناً منتجاً للثقافة، ولا يدخر جهداً في رعايتها ودعمها.


نحن أمام خريطة ثقافية أوروبية تتحرك فيها الشارقة، ومعها الإمارات وبلدان العالم العربي، بحرية وتستقبل فيها بترحاب ومحبة، خريطة ثقافية متكاملة، تتوزع على شعوب ولغات وصناع ثقافة وآراء وأفكار ووجهات نظر، هي أوروبا بإرثها وزخمها، بتاريخها الطويل المديد، هي أوروبا التي يحيل اسمها في الذهن أولاً إلى الثقافة، وهي الشارقة التي آمنت بالثقافة، وعملت بدأب لما يقرب من نصف قرن لكي يكون الكتاب والمسرح والتشكيل خبزاً يومياً، ولذلك نجحت في أن تنال تقدير قارة الثقافة.
لم تعد الثقافة العربية قابعة في الهامش ترنو بحسرة إلى المركز، أو تتغنى بأيام أمجادها في الماضي، ويتحدث كتّابها بحسرة ومرارة عن إهمال المركز الأوروبي لهم، فعلتها الشارقة، واستطاعت أن تكسب احترام مثقفيها، وأصبحت وحاكمها المهموم بالثقافة في قلب هذا المركز.
هذا التواجد وذاك الانتشار، هما فرصة لم يستغلها بعدُ مثقفونا على الوجه الأمثل حتى الآن، فرصة أتاحتها الشارقة لكل المعنيين بالوصول بالثقافة العربية إلى كل مكان، فرصة لكي يُدوّي صوتنا الثقافي في «قارة الثقافة»، فرصة لمشاريع ترجمة تنقل إبداعنا إلى أوروبا، فرصة للحوار الفكري الخلاّق والاستفادة من تجارب متقدمة في تعميم القراءة وأساليب النشر.


إنها في الحقيقة حزمة من الفرص على العرب ألا يضيعوها، مسترشدين في ذلك بقصة الشارقة وجهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
الاحتفاء الأوروبي المتلاحق بالشارقة حكاية مكتوبة بحروف من نور، علينا أن نفخر بها، ونتأمل دروسها، ونحاول بكل جهدنا أن ننقلها إلى الأجيال الجديدة، ففي الشارقة قصة ثقافية ممتعة تستحق أن تُروى.

&