&&زياد الدريس& &

وصل الشاب الباكستاني، ذو العشرين ربيعاً، إلى العاصمة السعودية عام ١٩٥٩ للاستفادة من وجود خاله في الرياض بهدف استصدار تأشيرة لإكمال دراساته العليا في بريطانيا.


تغيرت خطة الشاب الطموح قليلاً، فعمل لسنة واحدة في كلية العلوم بجامعة الملك سعود. ثم تغيرت الخطة كثيراً، ففي عام ١٩٦٠ التحق المهندس عبدالحميد بوزارة الزراعة والمياه، في قسم تنمية الموارد المائية، في وقت كانت المياه الصالحة للشرب في مدينة الرياض شحيحة، والكهرباء محدودة الانتشار، والأسفلت يكسو الشوارع الرئيسية من العاصمة فقط.

استمر هذا (الوافد) الباكستاني يعمل بإخلاص وتفانٍ بهدف تنمية الموارد المائية للمدن السعودية، وبالأخص تلك القابعة وسط صحراء نجد، وقد أصبح اسمه ورسمه معروفاً، خصوصاً عند أمراء وشيوخ القرى والبلدات النائية، الذين يراجعون وزارة المياه طلباً لتحسين وضعهم المائي فيتم تحويلهم إلى (النبع) الباكستاني الذي سيدرس وضع البلدة ويضع الحلول المناسبة لها.

لم يكن المهندس عبدالحميد مقيماً هامشياً ينتظر فقط نهاية الشهر كي يحوّل راتبه إلى بلده فحسب، فقد شارك مع وفد باكستاني نخبوي من المقيمين في السعودية، في الالتقاء بالملك فيصل بن عبدالعزيز قبيل زيارته التاريخية إلى الباكستان في العام ١٩٦٦ وذلك للتعبير عن سرورهم بالزيارة المرتقبة، وعن تطلعاتهم لنتائج الزيارة المجدية للبلدين والشعبين الشقيقين.

الآن، أكمل جارنا العزيز، الخبير المائي، أبو فاروق ٦٠ سنة في الرياض من أعوامه الثمانين، جاء إليها وعمره ٢٠ سنة فقط، أي أنه قضى ربع حياته فقط في الباكستان وثلاثة أرباعها في السعودية، حيث تزوج وأنجب أولاده جميعاً هنا، ومعظمهم الآن مهندسون وأطباء بين الرياض وأميركا.

أسوق هذه السيرة لإنسان يمكن وصفه بأنه "مواطن أجنبي" خدم هذه البلاد ستين عاماً والتزم بأنظمتها وفرح لأفراحها وشارك في القلق عليها، تماماً كما فعل المواطنون الأصليون، وربما تفوّق على بعضهم في مشاعره وفي خدماته. أسوقها في مناسبة صدور القرار السامي الكريم بنظام "الإقامة المميزة" في المملكة العربية السعودية لاستقطاب الكفاءات الوافدة إلى البلاد.

أبو فاروق تقاعد من العمل الحكومي منذ سنوات طويلة، وهو الآن أحد أعمدة مسجد حارتنا، ولا يكاد يغيب هذا البورجوازي النبيل عن الحارة إلا إذا ذهب لتجديد "الإقامة" بوصفه مقيم زائر في بلادي منذ ستين عاماً!
&