&أحمد الرضيمان

لما سقطت الشعارات الاشتراكية في السبعينيات برزت الشعارات الإخوانية «الإسلام هو الحل» ويعنون به: أن حزب الإخوان هو الحل، ولكن هكذا تكون لعبة الشعارات والدعايات المضلة، فكان من نتيجة ذلك أن خرج بعض الناس من جحيم الاشتراكية إلى ضيق الحزبية.

واليوم لما سقطت بحمد الله الصحوة، التي كانت تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل عقدية كالتعامل مع الراعي والرعية، وافتئاتها في أخذ دور الدولة، كما اعترف بذلك أحد رموزها، لما سقطت برز تيار انتهازي ضال يُسمى «الليبرالية» لا يُعرَف له مشروع، اللهم إلا مناكفة كثير من أحكام الشريعة، والانفلات، والتقعر في الكلام، إذ كلما كانت العبارات أشد تعقيدا كانوا أشد احتفاء بها، وإن لم يفهموا معناها، يظنون أن ذلك دليل على الثقافة، وقد رفع هذا التيار شعار الحرية وعدم الإقصائية، بينما الواقع أنه إقصائي جدا، ومسيء إلى المرأة، كما اعترف بذلك بعض المنتسبين إليه، وهذا موثق بالصوت والصورة، وكما هو الواقع، وأما دعوى الحرية فالواقع أن بعضهم أرقَّاء لشهواتهم، هربوا من الرقِّ الذي خُلقوا له، فبُلوا برقِّ النفس والشيطان.

برز هذا التيار وعلا صوته متوهما أنه سيكون البديل للصحوة، وكأن قدر المجتمع، إما الصحوة وإما اللبرلة، إما الغلو وإما الانفلات.

والصواب، أن المجتمع كان ولا يزال على العقيدة الصحيحة، والحنيفية السمحة، التي دلت عليها الأدلة الشرعية، وقامت عليها دولتنا السعودية المباركة في كل أدوارها الثلاثة، وهذه الأصوات النشاز الصحوية والليبرالية ونحوهما من الحزبيات والتيارات زبد ستذهب جُفاء، فكما سقطت الصحوة الحزبية بحمد الله، أو هي في طريقها للتلاشي والاندثار، فإني أظن -بإذن الله- أن الليبرالية ستزول وتندثر، وتعتذر من المجتمع كذلك عن جنايتها.

وبحمد الله فإن غالبية المجتمع -وإن كانت صامتة- هي على المنهج النبوي، وهو الوسطية التي شرعها الله ورسوله -وكانت عليها بلادنا قبل وجود الصحوة واللبرلة وغيرهما من الجماعات والتيارات- ودين الله باق إلى قيام الساعة، وما سواه من الجماعات والتيارات ونحوهما زبد سيزول، قال الله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

وقبل أن أنهي هذا المقال، فإني أشير إلى أني لاحظت عند الحوار مع بعض الصحويين والليبراليين أنهم يظنون أن هناك توجها وتوجيها إلى تحليل المحرمات التي فيها خلاف، وهذا الظن غير صحيح، فما عُرف عن الدولة قط أنها وجهت أي مفتٍ ليقول بخلاف ما يعتقد، بل حتى المباح لا تلزم أحدا به، وقد سمعت أحد العلماء يقول: قال لي الملك عبدالله -رحمه الله- وهو يمازحني اصبغ لحيتك البيضاء بالسواد، يقول فقلتُ له: أنا أرى جواز الصبغ بالسواد، ولا أرى ذلك محرما، فإن أمرتني فسأمتثل لأنك لم تأمرني بما أرى تحريمه، فقال الملك: لا، لا آمرك، (أدخل على الله أن أحط بذمتي شيء) مع أنه في أمر يراه ذلك العالِم ليس محرما.

وها نحن نرى علماءنا الراسخين الآن يرون تحريم بعض المسائل المختلف فيها، ومع هذا لهم التقدير والصدارة عند الدولة، لأن أولئك العلماء لا يتخذون ما يرونه من اختيارات فقهية سبيلا للإثارة والمآرب السياسية، ولأنهم صادقون في تدينهم وعلمهم، وراسخون في مواقفهم الطيبة مع الدولة، وليسوا متلونين، يقولون رأيهم في مجالسهم العلمية، وقد يختلفون على رأيين في المستجدات والمسائل الخلافية، ولكنهم يعلمون أن لولي الأمر أن يختار أحد القولين، وإذا اختار ما يخالفه بعضهم فإنهم لا يُشغبون عليه، لعلمهم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، بينما هؤلاء الذين يدّعون الآن أن الصحوة مُنعت لأنها تمنع الاختلاط مع النساء، وبسبب أنها تلتزم بالدليل الشرعي كما يزعمون، غير صادقين في ادعاءاتهم، ويوتيوب يشهد بالصوت والصورة أن بعض رموز الصحوة يختلطون في محاضراتهم مع النساء ويقهقهون معهن، مما يدل على أن ذلك لا يهمهم، وإنما يقولون ذلك بقصد التهويل وخداع البسطاء باسم الدين والغيرة عليه، لتمرير مخالفاتهم العقدية المتعلقة بالإمامة والجماعة ومنازعة الأمر أهله.

وليُعلَم أن إفتاء -من ليس أهلا للفتوى، ممن لم تُسنَد له الفتوى- هو إفتاء بما يطلبه المستمعون ويرغبونه، وجرأتهم في ذلك، هم المسؤولون عنها أمام الله، وإلا فالدولة -وفقها الله- حصرت الفتوى في هيئة كبار العلماء، ولكن المتعالمين لا يعقلون، وفي الحديث المتفق عليه: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).