&سلطان البازعي&

يقول الكوميدي الأميركي تريفور نواه (نوح) أنه "لو نجحت شركة هواوي الصينية بالسيطرة على تقنية الجيل الخامس من الاتصالات، فإن هذا سيمكن الصينيين من التجسس على الجميع، وهذا أمر مزعج لأن أميركا هي التي تريد أن تفعل ذلك".


قد يكون في هذه العبارة الساخرة الكثير من الحقيقة، كما أنه قد يكون هناك بعض من الحقيقة في الاتهامات التي تكيلها الولايات المتحدة الأميركية للشركة الصينية، بأن الأجهزة التي تبيعها في العالم تحوي أدوات تجسسية تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، وهي ليست الهواتف فقط وإنما أنظمة متكاملة من المقاسم والأبراج والتقنية، وقد أقنعت واشنطن حلفاءها بالانضمام للحملة وبدأت مقاطعة الشركة الصينية.

لكن المعركة كانت بدأت تظهر على السطح في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2018، حينما أوقفت السلطات الكندية السيدة منغ وانجو المديرة المالية لشركة "هواوي" - وهي بالمناسبة ابنة مؤسس الشركة- واحتجزتها بناء على طلب من واشنطن، والتهمة حينها لم تكن متعلقة بالتجسس وإنما "التآمر لخرق الحظر المفروض على إيران"، وتصاعدت المعركة الشهر الماضي حين فرضت الحكومة الأميركية على الشركات الأميركية إيقاف التعامل مع الشركة الصينية، فسارعت شركة "غوغل" إلى الإعلان عن سحب ترخيص نظام التشغيل "أندرويد" من الشركة الصينية، إضافة إلى عدد كبير من التطبيقات المستخدمة في الأجهزة الذكية، بما يعني على السطح أن الهواتف الصينية التي حققت أعلى المبيعات في العالم متجاوزة "آيفون" الأميركي و"سامسونغ/غالاكسي" الكوري، ستكون مجرد قطعة خردة، لولا أن الصينيين ردوا بأنهم تحسّبوا لمثل هذا اليوم وأنهم كانوا يعملون منذ زمن على تطوير نظام التشغيل الخاص بهم، وأنه سيتم إطلاقه قريباً.

هذه الحرب التجارية العالمية التي بدأت تشتعل ليست بالتأكيد على تسويق الهواتف، فحرية التجارة سمحت لشركة "أبل" الأميركية أن تتصدر يوماً ما، بسبب أنها كانت تصنع أجزاء كثيرة وأساسية من هواتفها في كوريا والصين وأحياناً عند منافسيها مثل "سامسونغ"، وقليلاً ما ظهرت شكاوى عن سرقة الحقوق الفكرية، فالإبداع كان في تصميم التقنية والوظائف للهواتف، لكن هذه الحرب تتعلق بالتأكيد على مبدأ السيطرة على الأسواق.

والحقيقة أن الولايات المتحدة دخلت متأخرة إلى سوق الاتصالات المتنقلة العالمية المفتوحة المعروفة اختصاراً باسم GSM، ذلك أن السوق الأميركية كان لديها نظامها الخاص بترددات خاصة، لكنها تكون مغلقة على مشغل واحد، وحين قررت دخول السوق العالمية في هذا النظام حققت تقدماً سريعاً، وربما يعود الفضل في ذلك للعبقري ستيف جوبز حين قدم أول جهاز ذكي هو "آيفون" الذي حقق اختراقاً عالمياً أزاح الرواد مثل السويدي "نوكيا" والكندي "بلاك بيري"، وتسارع التطوير حتى أن الولايات المتحدة حققت أكثر من 100 بليون دولار للناتج القومي الإجمالي من تحقيقها قصب السبق في تقنية الجيل الرابع، وهي تريد الفوز بتقنية الجيل الخامس لأنه سيوفر 3 ملايين وظيفة وأكثر من 500 بليون دولار للناتج القومي.

في المقابل، فإن شركة "هواوي" الصينية التي تأسست عام 1987 كوكيل لشركة من هونغ كونغ تصنع المقاسم الهاتفية تطورت بسرعة خارقة. فبعد ثلاث سنوات فقط بدأت تصنع تقنيتها الخاصة للمقاسم الهاتفية، وبعد سبع سنوات أخرى (عام 1997) قدمت أول حلولها للهواتف المتنقلة، ولنختصر عليكم الزمن فإنها في العام الماضي 2018 حققت 100 بليون دولار من العائدات، وهي تقدم نفسها بأنها مملوكة بالكامل لموظفيها البالغ عددهم 180 ألف موظف وعامل، ولديها 36 مركزاً للابتكار و14 معهداً ومركزاً للتطوير والأبحاث حول العالم، الأمر الذي مكّنها من تحقيق الاختراق في تطوير الجيل الخامس. والشركة بالتأكيد مدعومة بالكامل من الحكومة الصينية التي دخلت معها هذه المعركة الديبلوماسية والتجارية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته عازمون على عدم السماح للصينيين بالسيطرة على التقنية الجديدة، لذا فإنهم أعلنوا الحرب، ولا يهم إن كانت هذه الحرب تتعارض مع مبادئ التجارة الحرة التي تتزعمها واشنطن، لكنهم يتمثلون -على ما يبدو- بقول الشاعر العربي "إنما العاجز من لا يستبد"، ومقولة "ما هو جيد لجنرال موتورز فهو جيد لأميركا" التي أطلقها رئيس جنرال موتورز الذي عينه الرئيس آيزنهاور وزيراً للدفاع في عام 1953 تشارلز ويلسون، يمكن أن تكون بعد التعديل "ما هو جيد لشركة أبل فهو جيد لأميركا".

لا أحد يعلم عما ستسفر عنه هذه المناطحة بين الجبابرة، فهذه التقنية ستغير بالفعل من وجه العالم والمسيطر عليها سيفرض شروطه وقوانينه مواصفاته.

حياتنا المقبلة سيديرها الاتصال الفائق السرعة، ليس فقط في الاتصال الهاتفي أو تنزيل المعلومات، وإنما إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والسيارات وربما الطائرات ذاتية القيادة، ومستقبل الاقتصاد والعلم والطب والسلاح وحتى المطبخ، فقد أعلنت "هواوي" أنها بدأت ببيع أفران مايكرويف تعتمد تقنية الجيل الخامس.

في خضم هذه المعركة المحتدمة، ظهر خبر صغير من سيول يقول بأن "سامسونغ" بدأت أبحاثها لتطوير أنظمة الجيل السادس G6.

وأصدقكم القول بأنني لا أستطيع أن أتخيل ماذا سيضيف هذا الجيل؟ لكني سارعت للبحث عن أنشودة "الجيل الصاعد" للراحلين محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.