&عمار يوسف&

تعمل الحكومة والمجتمع في المملكة العربية السعودية يداً بيد لترسيخ التسامح كأسلوب حياة في «مملكة الإنسانية»، وهو نهج تتلاقى فيه السعودية والإمارات لتمضيان معاً في هذا الطريق الذي يمثل أحد أهم القيم الإنسانية الراقية، وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
ويشهد العالم على الدور المشرف لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الدعوة للانفتاح والتسامح وقبول الآخر، والذي صار له تأثير إيجابي کبير في دحض وتفنيد الآراء والمواقف المشوهة وغير الصحيحة للفئات الضالة المضلة، فضلاً عن سعي خادم الحرمين الشريفين لتعزيز السلم

ونشر ثقافته في ربوع العالم، من خلال مؤسسات ضخمة أخذت على عاتقها تنفيذ هذه المهمة مثل مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد» في النمسا.
وتسعى القيادة الحكيمة في السعودية والإمارات إلى توظيف ثقافة التسامح الإنساني باعتبارها أحد أهم مقومات القوة الناعمة الضرورية لبناء النسيج الاجتماعي الداخلي وكوسيلة نجاح في العلاقات الدولية والدبلوماسية، وإظهار الوجه الحقيقي المشرق للدولتين اللتين تقودان الأمة العربية والإسلامية حالياً.
ويرى سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الدولة والكاتب تركي الدخيل، أن «العيش المشترك استراتيجية الدولة في عصرنا، والتوافق عليه هو القرار الضامن لاستقرارها، فنحن نعيش معاً بإرادتنا، ولو تخلخلت هذه الإرادة الطوعية لانهار البناء. وهناك من يسعى لتدمير سلمنا المجتمعي، وقبولنا للآخر، وهو يجيد اللعب على وتر ترسيخ الانقسام داخل المجتمعات، ولنمنعه، علينا أن نراجع سيرة توحدنا، والقيم الضامنة لذلك».
ويحدد الدخيل في كتاب له بعنوان «التسامح.. زينة الدنيا والدين»، الصادر عن دار مدارك، عنصرين لنجاح التسامح، أولهما إرادة سياسية واضحة، وثانيهما فاعلية مجتمعية ودينية لخدمته، مشيراً إلى أن هذا النجاح يضيق الخناق على التعصب والتشدد والعنصرية والكراهية، ويبشر عبر القوانين التي يتساوى الناس أمامها، ومن خلال سيادتها، بعهد يسع الجميع.

ومثلما تعمل الإمارات على ترسيخ قيم التسامح من خلال سياساتها التي تشجِّع على الانفتاح وقبول الآخر، وتحترم التعدُّد العرقي والديني والمذهبي وحرية المعتقد، وتجرِّم التمييز والكراهية والعنصرية، وكذلك إعلانها أن يكون العام الحالي 2019 عاماً للتسامح وتأسيس وزارة للتسامح، فإن المملكة العربية السعودية من جهتها تعمل على نشر قيم التسامح داخلياً، وتعزيز الانفتاح على الآخر، وتعميق التآلف والتآخي والتسامح بين الشعوب كافة، على مختلف أديانها ومعتقداتها ومذاهبها، مع التمسك في الوقت نفسه بثوابت المجتمع السعودي المسلم والمحافظ، وهو ما تقوم به السعودية من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الرياض.
ويؤكد المركز الذي أحدث تحولاً كبيراً في المجتمع السعودي، أن اختلاف الآراء وتنوع المذاهب وتعدد الاتجاهات لا يعني بالضرورة التخاصم والتقاطع ورمي الآخرين بأقذر الأوصاف، بل إن الاختلاف ظاهرة صحية تثري الآراء، وترتقي بالعقول، وتهذب الأخلاق إذا تعامل المجتمع معها تعاملاً حضارياً ومدنياً.

وفي السعودية كما في الإمارات تقوم الرؤية 2030 وكذلك رؤية الإمارات 2021 والرؤية الاقتصادية لإمارة أبوظبي 2030 على قيم التسامح وقبول الآخر، خاصة مع وجود نحو 200 جنسية من مختلف الثقافات والأديان والأعراق تعيش في وئام وتسامح وكرامة واحترام للعادات والتقاليد والأديان في كلا البلدين لتجعل منهما نموذجاً يحتذى به من جانب كل المسلمين وغير المسلمين.

فقد رسخت قيادتا البلدين نموذجاً رائداً للتسامح حقق للمجتمعين السعودي والإماراتي التماسك والقوة ووحدة النسيج الاجتماعي برغم التحديات التي تواجههما.
وأكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في حوار مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية في أبريل من العام الماضي، أن «الإسلام» يعني «السلام»، في إشارة إلى أن المملكة، باعتبارها أكبر دولة مسلمة ومهبط الوحي، فهي داعية إلى السلام، ومنفتحة على الديانات والثقافات الأخرى، وترحب بالحوار بينها لترسيخ التآلف والمحبة والتسامح بين أفرادها، وأن دولة هذه صفاتها في التعامل النبيل مع الشعوب الأخرى، من المستحيل أن تدعم التشدد بأي وجه من الوجوه.
ومن جانبها، أصدرت الإمارات كما فعلت السعودية قانوناً بشأن مكافحة التمييز والكراهية الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، ويعكس القانون طبيعة الشعب الإماراتي المتسامح الذي يُعدّ من أكثر شعوب العالم انفتاحاً على الآخر وقبولاً له، وكل من عاش على أرض الإمارات يدرك هذه الحقيقة جيداً.
واعتبر الإعلامي والباحث نايف آل زاحم، مدير مركز القرار للدراسات والاستشارات الإعلامية أن مشروع الأمير محمد بن سلمان في التسامح يستند على مرجعية دينية في الأساس، على اعتبار أن التسامح حسب أحكام وقواعد ونظم ومقاصد الشريعة الإسلامية، فضيلة من فضائل الأخلاق الكريمة، وحتمية اجتماعية وإنسانية، ومنهج فاعل للتحكم في مسارات الاختلاف بين البشر، والإسلام دين كوني وأممي يتجه برسالته إلى كل بني الإنسان.
وقال آل زاحم: مشروع الأمير محمد بن سلمان في نشر وتأصيل ثقافة التسامح، لم يكن بالمشروع الغريب عن المملكة، بل مستمد بكامله من ديننا الإسلامي الحنيف، ويتسق تماماً مع تراثنا الحضاري، وتاريخ أمتنا الإنساني العريق.
وفي المقابل، لم يقف تطلع الإمارات وخططها لجعل التسامح ممارسة يومية، وسمة حياتية تلازم مجتمعها فحسب، بل علا كعبها لتخصص وزارة للتسامح لتكون من أوائل دول المنطقة التي تخصص وزارة من هذا النوع، كما جاء إعلانها لعام 2019 عاماً للتسامح رغم أن العالم اكتفى من خلال منظمة الأمم المتحدة بتخصيص يوم واحد للتسامح يتم الاحتفال به سنوياً، هو يوم 16 نوفمبر، ما يعكس النهج الذي تتبناه الدولة منذ تأسيسها في أن تكون جسر تواصل وتلاق بين شعوب العالم وثقافاته في بيئة منفتحة وقائمة على الاحترام ونبذ التطرف وتقبل الآخر، بل إنها تصدرت دول العالم في مجال التسامح، وفقاً لمؤشر التسامح تجاه الأجانب ضمن التقارير الأممية لعام 2017.
ومضت الإمارات قدماً في ترسيخ قيم التسامح، وأصدرت قانوناً لمكافحة التمييز والكراهية، كما تبنت عدداً من المبادرات لتعزيز الحوار بين الشعوب والأديان، مثل «البرنامج الوطني للتسامح»، و«المعهد الدولي للتسامح»، و«جائزة محمد بن راشد للتسامح»، وبرنامج المسؤولية التسامحية للمؤسسات، وغيرها من البرامج، إلى جانب تأسيس المراكز الهادفة إلى محاربة التطرف والتعصب، وتعزيز الحوار مع الآخر.

وثيقة الأخوة الإنسانية

اعتبر د. عبدالكريم العواجي، أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز أن الإمارات تلعب دوراً متقدماً في تعزيز ونشر التسامح في المنطقة والعالم من خلال مبادرات متميزة نفذتها ولا تزال تنفذها، مشيراً إلى أن استضافة اللقاء التاريخي بين شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية في أبوظبي كان حدثاً دولياً مهماً في ملف التسامح، انتهى بتوقيعهما وثيقة الأخوة الإنسانية التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإنسانية، وبناء جسور التواصل والمحبة بين الشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته. وأضاف أن احتضان الإمارات لأكبر مرجعيتين: إسلامية ومسيحية في العالم، بحضور أكثر من 400 من قيادات وممثلي الأديان وشخصيات ثقافية وفكرية من مختلف دول العالم، يمثل قفزة نوعية لتلاقي شعوب الأرض على كلمة سواء من القيم الإنسانية ومن الحرية والعدل والمساواة.
وأضاف: السعودية والإمارات تقودان مبادرات التسامح وتتخذانه ضمن حزمة القوة الناعمة في سياستهما الخارجية، لاسيما وأن التسامح يعد من أهم قيم الشريعة الإسلامية.

اتفاقيات لنبذ العنف

يقول المفكر السياسي السعودي وعضو مجلس الشورى السابق د. محمد آل الزلفة، إن السعودية والإمارات شريكان أساسيان في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز العنصري، مشيراً إلى أن الوعي الديني والذاكرة التاريخية لشعبي البلدين هما المكون الأساسي الذي يدعم بلورة الهوية الوطنية للبلدين. وأضاف أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التقى في الرياض، وأيضاً خلال زياراته الخارجية قيادات مسيحية في خطوة تأتي في ظل مساعي المملكة لمزيد من الانفتاح على العالم، وسعى إلى إزالة الفوارق بين الجنسين من أجل بث أسس روح المحبة والتسامح في نفوس الأفراد، وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية. وقال آل الزلفة، إن السعودية تؤسس بشكل جديد لمجتمع متفاعل مع التحولات العالمية ثقافياً، ولعل أكثر الموضوعات أهمية في تأسيس هذا التحول المجتمعي الذي يتزامن مع الرؤية الاقتصادية 2030م هي قضية التسامح، وقبول الآخر، والحريات الدينية، والانفتاح المتقن وفق المعايير والقيم الأساسية للمجتمع.