&نعمت أبو الصوف

&

هبطت أسعار النفط مرة أخرى، وسط التراجع المتزايد في الطلب على النفط والمخاوف المتزايدة من تباطؤ الاقتصاد العالمي. في الأسابيع القليلة الماضية، قدم الارتفاع الحاد في مخزونات النفط أدلة على تدهور سريع في ظروف السوق. إن ارتفاع المخزون شمل جميع المناطق الرئيسة في العالم، سواء في الدول المستهلكة أو في البلدان المصدرة للنفط. إجمالا، ارتفعت المخزونات بنحو 40 مليون برميل في أيار (مايو) وهي الآن أكثر من 90 مليون برميل فوق مستويات عام 2018. اليوم، تجاوزت المخزونات لدى دول "أوبك" مستوياتها القياسية التي شهدتها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 قبل قرار المنظمة بخفض الإنتاج ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2019. أثارت سلسلة مكاسب المخزون المخاوف من ضعف الطلب في الوقت الذي تتراجع فيه المؤشرات الاقتصادية الأخرى.
يضعف الطلب إلى حد كبير بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي. بالفعل تستمر المؤشرات الضعيفة في الظهور من الصين وأوروبا، وكذلك في الولايات المتحدة. حيث تكشف مراكز التجارة الرئيسة في العالم عن تباطؤ حاد في التجارة العالمية، مع انخفاض أحجام التداول بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، ما يشير إلى أن الاقتصاد العالمي على وشك الركود. في هذا الجانب، قال بعض المحللين إن توقعات الطلب لعام 2019 كانت غير واقعية حتى الآن. لقد تباطأت الصين بشكل أسرع مما توقعه الجميع وما زال للحرب التجارية تأثير كبير، ولن يكون الاتحاد الأوروبي محركا لنمو الطلب هذا العام والولايات المتحدة هي أيضا تعاني.

وفي الوقت نفسه، تتهاوى هوامش عمليات التكرير في شمال غرب أوروبا، ما يوفر مزيدا من الأدلة على ركود الطلب. حيث انخفضت أسعار المنتجات مثل البنزين والنفثا بشكل أسرع من أسعار النفط الخام. تشير السوق المتشائمة للنفثا إلى ضعف الطلب على البلاستيك. في هذا الصدد، أشارت «بلومبيرج» إلى أن هوامش الباراكسيلين، وهي مادة ضرورية لإنتاج الملابس وقناني المياه، تقترب من أدنى مستوياتها في خمس سنوات. وبالمثل، هوامش الإيثيلين، المستخدمة في الأكياس البلاستيكية، الآن في السالب.
وأخيرا اعترف كبار دور المعرفة بتدهور الطلب على النفط. حيث قالت إدارة معلومات الطاقة EIA إن الطلب العالمي على النفط الخام في 2019 سيكون أقل مما كان متوقعا في السابق. ففي توقعاتها على المدى القصير لهذا الشهر، خفضت الإدارة تقديراتها للطلب على النفط إلى 1.2 مليون برميل يوميا، أي أقل بنحو 200 ألف برميل يوميا من توقعات الشهر الماضي. كما أن قيام الإدارة بخفض توقعاتها لأسعار خام برنت لعام 2019 بمقدار ثلاثة دولارات للبرميل، يعكس تزايد عدم اليقين بشأن نمو الطلب العالمي على النفط. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن ينمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بأقل من المتوقع بسبب انخفاض الأسعار.

لكن توقعات البنوك الاستثمارية كانت أكثر تشاؤما من إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية. حيث يرى بنك مورجان ستانلي أن الطلب سينمو بمقدار مليون برميل يوميا. في حين وضع جيه بي مورجان نمو الطلب لعام 2019 عند 800 ألف برميل في اليوم، أي أقل بنسبة 40 في المائة تقريبا من تقديرات وكالة الطاقة الدولية البالغة 1.3 مليون برميل في اليوم.
ومع ذلك، فإن ضعف أداء الاقتصاد العالمي يزيد بشكل كبير من احتمالات تمديد "أوبك" وحلفائها لتخفيضاتها، التي قد تمنع حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط، حيث أشار بعض المحللين إلى أن تمديد اتفاقية خفض الإنتاج لمدة ستة أشهر أخرى يجب أن يحول دون زيادة العرض في أسواق النفط ويدعم تعافي الأسعار في النصف الثاني من العام.
من الواضح أن السعودية وروسيا ناقشا سيناريو انخفاض أسعار النفط ما دون 40 دولارا للبرميل، على الرغم من أنه يبدو من غير المعقول أن تفشل المجموعة في تمديد خفض الإنتاج. في هذا الصدد، قال بعض المحللين إن سيناريو عدم تمديد التخفيضات ستكون له تداعيات كبيرة على الأسعار.
من جانبهم، يرى المحللون في جولدمان ساكس تمديدا محتملا، حيث إن من أعضاء "أوبك" الأساسيين "أي السعودية" تحاول إبقاء الأسواق في حالة توازن على أساس شهري - ما يعني زيادة الإنتاج أو تخفيضه حسب احتياجات السوق. هذا من شأنه أن يشير إلى أن "أوبك" وحلفاءها قطعوا شوطا طويلا في الحفاظ على توازن العرض والطلب. وعلى هذا الأساس، تمسك بنك جولدمان ساكس بتوقعاته لسعر خام برنت عند 65.50 دولار للبرميل للربع الثالث.

ومع ذلك، أقر بنك الاستثمار أن تباطؤا حادا في الطلب من شأنه أن يغير من هذا التوقع بصورة كبيرة. وعزى ذلك إلى عدم قدرة "أوبك" على تخفيض الإنتاج بسرعة كافية لمواكبة انخفاض الطلب، حيث إن تعديلات الإنتاج السابقة من قبل "أوبك" لم تكن قادرة على مواكبة سرعة انخفاض الطلب خلال فترات الركود، ما أدى إلى ارتفاع المخزونات وانخفاض الأسعار. لكنه استطرد مضيفا إلى أن مثل هذه النتيجة لا تزال غير مرجحة.
ومما يثير القلق، مع ذلك، الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تتصاعد إلى مرحلة جديدة. في وقت سابق من بداية هذا الشهر، قال الرئيس الأمريكي إنه بإمكانه رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية المتبقية التي تبلغ 300 مليار دولار، إذا رفض الرئيس الصيني الاجتماع معه في وقت لاحق من هذا الشهر في اليابان على هامش قمة مجموعة العشرين. لكن الأزمة تبدو الآن في طريقها إلى الانفراج بعد الاتصال الهاتفي المطول بين الرئيسين الأمريكي والصيني والاتفاق على لقاء في قمة العشرين. ستبقى الأسواق بانتظار ما سيتمخض عن هذا اللقاء.