&حلمي النمنم&&

&استقبل بابا الفاتيكان – في الرابع من يوليو الجاري - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وبعد الترحيب، قال البابا لضيفه: إن أعمال ديستوفيسكى وتولستوي لا تفارق مكتبه؛ وإنه ينصح تلاميذه بضرورة قراءة روايات ديستوفيسكي؛ وقال أيضاً: إنه بدونها ودون الغوص في فلسفة ديستوفيسكي وأعماله لا يستطيع أحد أن يكون رجل دين.


أعمال ديستوفيسكى خاصة «الأخوة كرامازوف» و«الجريمة والعقاب» تتماس مباشرة مع القيم والأخلاق المسيحية؛ وفى شخوص رواياته من يؤمن بهذه القيم ومن يرفضها تماماً؛ لكنها تقدم حالات إنسانية مهمة؛ تعكس دور الدين وقيمه في حياة الإنسان وتشكيل ضميره؛ على أن الأهم من ذلك هو أن رجل الدين لا ينبغي له أن يكتفى بدراسة النصوص المقدسة والعلوم الدينية؛ بل لا بد له أن يكون ملماً كذلك بجوانب الحياة المختلفة؛ التي يمر بها الإنسان ويتعرض لها المجتمع عموماً؛ ففي الحياة خبرات وثقافة أوسع من العلوم الدينية.

وقد عرف التراث العربي الإسلامي نماذج رفيعة لفقهاء كبار امتلكوا ثقافة واسعة وإلماماً بجوانب الحياة، حتى تلك التي منها تبدو بعيداً - لأول وهلة - عن الروح الدينية، الوليد بن رشد، هو في الأساس فقيه وعالم؛ لكنه إلى جوار ذلك تخصص في الفلسفة؛ وتحديداً فلسفة أرسطو؛ وقدم شروحاً مهمة لها، أثْرت الثقافة اللاتينية ولعبت دوراً في تكوين عصر النهضة الأوروبي، وكذلك الفقيه والإمام ابن حزم، صاحب الدراسات الفقهية البارزة، والتي تمثل إضافة للفقه الإسلامي، ويعد علماً للمذهب الظاهري وهو من المذاهب المعدودة إلى جوار المذاهب الأربعة.

ابن حزم هو نفسه صاحب كتاب «طوق الحمامة» ـ وهو من أرقى الكتب المعروفة في تناول مشاعر الحب؛ بين الرجل والمرأة ـ قل الشيء نفسه عن الإمام جلال الدين السيوطي أو الأسيوطي؛ الذي كان موسوعياً بحق؛ وتميز بغزارة الإنتاج في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والجنس.

لكن شهدت العقود الأخيرة تراجعاً في الثقافة العامة والاهتمامات المجتمعية لدى فريق من علماء الدين؛ إذ يخاصمون العلوم الاجتماعية والإنسانية فينعكس ذلك على رؤيتهم وأفكارهم.

وقد وجدنا بينهم من اتخذ موقفاً معادياً من نجيب محفوظ وخاصة روايته «أولاد حارتنا» ومن طه حسين ولطفي السيد وغيرهم، ومن بينهم من يفاخر بأنه لم يقرأ كلمة واحدة لأي من هؤلاء الكتاب العظام.. لن أتحدث عن مواقفهم من إحسان عبد القدوس ونزار قباني، وبسبب هذا الموقف قسمت ثقافتنا إلى قسمين وحاولوا تقسيم المجتمع إلى فريقين.. تُرى ماذا لو كان بيننا ديستوفيسكى عربي؟