& علي الخشيبان

&

&المنعطف الأكثر قلقًا في هذه الموجة من القرارات الأميركية، التي اتخذت خلال الأربع سنوات الماضية، هو الخوف من أن الاعتقاد السياسي الأميركي الجديد أصبح يرى أنه لا شيء صحيحًا من الماضي، خاصة أن التفسيرات العلمية للنهج الأميركي الحالي ليست واضحة، فالتبريريات التي تقولها السياسة الأميركية حول قراراتها الدولية والمحلية ليست جديرة بالإقناع..

أصبحت لغة القرارات والعقوبات مادة يومية على الأخبار الدولية؛ حيث تستحوذ أميركا على النصيب الأكبر في ذلك، وكأنها أيديولوجيا سياسية جديدة تتقدم لتغيير شكل النظام العالمي، فالإحساس الدولي الجديد قلق من جانب التحولات الممكن حدوثها في قواعد السياسة الدولية، ويبدو واقعيًا أن ما يحدث اليوم في السياسة الدولية يشكل نتيجة طبيعية لتفكك الكتلة الشيوعية، التي تركت الظاهرة الشيوعية في ظلام دامس من دون أن تشرق عليها شمس أيديولوجية جديدة.

لعل السؤال المهم يدور حول تفسير تنامي ظاهرة العقوبات والقرارات ذات المعارضة الشديدة في محاولة لفهم الخطأ أو الصواب الذي أصاب العالم؟ وهنا سأعرض أمثلة من قرارات مهمة اتخذها الرئيس الأميركي ترمب، على اعتبار أن ظاهرة القرارات والعقوبات والانسحابات السياسية تسيطر على السياسة الأميركية الحالية. في مايو من عام 2018م، اتخذ الرئيس الأميركي قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متهمًا ذلك الاتفاق بأنه متساهل، ومتهمًا أيضًا الرئيس الأميركي الأسبق (أوباما) بالتهور بعدم توقيع اتفاق صارم مع الإيرانيين.

في مايو 2018م، تم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، في قرار اتخذه ترمب، الذي اعتبر أن تلك الخطوة قانون قديم لم ينفذه أي من رؤساء أميركا السابقين، وكانت تلك محاولة لدفع عملية السلام في اتجاه مختلف، قد يكون أحد آثاره مشروع السلام، الذي يقوده حاليًا كوشنير مستشار الرئيس ترمب. في منتصف عام 2018م أيضًا كانت المواجهة التجارية مع الصين قد بدأت في واشنطن، وفرضت واشنطن منذ ذلك اليوم كثيرًا من الضرائب والمواجهات الاقتصادية الحاسمة، ولعل أبرزها قضية شركة هواوي.

الأسبوع الماضي، أعلنت واشنطن نهائيًا انسحابها من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى مع روسيا، وهي المعاهدة التي وقعها الرئيس الأميركي ريجان مع نظيره السوفيتي جورباتشوف عام 1987م، وفي أحدث عقوبات تفرضها أميركا على روسيا، أعلنت الخارجية الأميركية "أن الحزمة الثانية من العقوبات تأتي بموجب قانون عام 1991 الخاص بالرقابة على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ومنع استخدامها، لمعاقبة روسيا على "استخدامها مادة "نوفيتشوك" المشلة للأعصاب في محاولة لاغتيال سيرجي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا في 4 مارس 2018".

انسحبت أميركا أيضًا من اتفاقية (نافتا) للتجارة الحرة لثلاث دول من أميركا الشمالية هي (أميركا، كندا، المكسيك)، في 2017م، انسحبت أميركا من اتفاقية باريس للتغير المناخي العالمي، وانسحبت أميركا أيضًا من مجلس حقوق الإنسان الدولي، وانسحبت أميركا من منظمة اليونسكو، وانسحبت خلال العام الماضي من سورية، وتعمل على الانسحاب من أفغانستان، ويبدو أن ذروة القرارات والعقوبات والانسحابات التي استحوذت على السياسة الأميركية ستكون في أقصى سرعتها خلال الأشهر الخمسة المقبلة حيث الانتخابات الأميركية.

السؤال المطروح: لماذا يحدث هذا الكم من إعادة تشكيل السياسة الأميركية الداخلية والخارجية؟ وهل نحن بصدد بناء أيديولوجيا جديدة تنبئ بأن التنظيم السياسي العالمي يصل إلى ذروته السياسية..؟، المنعطف الأكثر قلقًا في هذه الموجة من القرارات الأميركية، التي اتخذت خلال الأربع سنوات الماضية، هو الخوف من أن الاعتقاد السياسي الأميركي الجديد أصبح يرى أنه لا شيء صحيحًا من الماضي، خاصة أن التفسيرات العلمية للنهج الأميركي الحالي ليست واضحة، فالتبريريات التي تقولها السياسة الأميركية حول قراراتها الدولية والمحلية ليست جديرة بالإقناع.

الشعور بالمظلومية فلسفة حديثة في السياسة الأميركية، جاءت تحديدًا مع الرئيس ترمب، خاصة في محاكمة القرارات السياسية التي تم اتخاذها من قبل السياسة الأميركية خلال السنوات الماضية، فكل التبريرات التي سيقت بهدف تفسير لماذا اتخذت تلك القرارات تدور حول المظلومية لأميركا، وقد شعر العالم كله بذلك، وقد يكون بعضه ضجر من تلك التبريرات، خاصة الأوروبيين الذين يشعرون بأنهم فقدوا الروح الجماعية للسياسية الأوروبية المندمجة مع أميركا.

الشرق الأوسط الذي اعتاد الثبات والاستقرار الغربي بكل تنوعه الأوروبي والأميركي أمام أزماته ومشكلاته الاقتصادية والسياسية، يدخل في مرحلة خلط شديدة في موضوعات الرهان الحقيقية على من هو الأقوى، ومن هو الحليف الاستراتيجي الموثوق في العالم، خاصة بعد قدوم الظاهرة (الترمبية). من المحتمل أن تستمر أميركا في فلسفة المظلومية ونهج الانسحابات، وأن تستمر في مواجهات اقتصادية وسياسية مع كل الدول والمعاهدات والمشكلات الدولية، وهذا ما يتطلب وعيًا شاملاً من دولنا العربية والخليجية بشكل خاص بالتهديدات والفرص المتاحة التي قد تولد خيارات وتحالفات دولية مستجدة يجب الانتباه إليها سواء في الشرق أو في الغرب الأوروبي.









&