&محمد الشاذلي

هدد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، أوروبا بفتح أبواب بلاده أمام اللاجئين السوريين نحو مدنهم "في حال لم يقدم الاتحاد الأوروبي المساعدة الضرورية لأنقرة".

تعاني من ألم المفاصل؟ هناك علاج منزلي بسيط!

&وقال نائبه فؤاد أوقطاي في مؤتمر صحفي يوم الجمعة الماضي، في منتدي أمبروسيتي بمدينة تشيرنوبيو شمال إيطاليا، إن تصريحات رئيسه "ليست تهديدًا أو مخادعة وإنما حقيقة".

ولم يكذب أوقطاي فقد بدأ توجيه، منذ صباح يوم الجمعة الماضي، مئات من المهاجرين من تركيا إلى&شرق بحر إيجه (المضيق البحري بين اليونان وتركيا) إلى&الجزر اليونانية المعبأة أصلاً بآلاف يتجمعون في مخيمات مكتظة انتظارًا لنقلهم إلى أوروبا.

كل هذا يمكن فهمه في إطار مناوشات أردوغان مع الاتحاد الأوربي وإعادة استخدام الفزاعة التي عملت بكفاءة ضد أوروبا في سنوات سابقة، حين أغرق القارة العجوز بطوابير اللاجئين السوريين، وهو يعيد استخدامها الآن لأسباب عدة. وقد توصل الاتحاد الأوروبي في مارس 2016 إلى&اتفاق مع تركيا يتم بمقتضاه منح أنقرة ست مليارات دولار، وإلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى دول الاتحاد.
وتقول تركيا: إنها لم تتلق سوى مليار و850 ألف يورو من المبلغ المتفق عليه، وأن الاتحاد الأوروبي لم يلغ تأشيرة الدخول للأتراك، وتقول المفوضية الأوروبية إنها دفعت ثلاثة مليارات يورو.

هكذا تهدد أنقرة بإلغاء اتفاقية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي لتحصل علي مزيد من المال والتأشيرات، ولكن المشكلة الأخلاق - في تصوري - تتركز فيما قاله أوقطاي من أن "تركيا ليست حارسة لأي دولة ولا مستودع مهاجرين، وليست أيضا بلدًا يدفع فاتورة الأزمات التي افتعلها الآخرون".

هذا التفسير الأوقطاي خاطئ تمامًا لأن أردوغان تحديدًا هو من أجج الأزمة السورية منذ البداية، وافترق عن صديقه "بشار" الأسد، كما كان يخاطبه، وفتح أبواب تركيا أمام كل صوت يمكن أن يهدم النظام في سوريا، رغبةً منه في نيل مكاسب اقتصادية من جهة، وإخراج سوريا من المنافسة على أنابيب الغاز والسياحة وصناعة الملابس وبيع العقارات والمسلسلات التليفزيونية أيضًا.

ورغبةً منه في اقتطاع المزيد من الأراضي السورية كما فعل أسلافه في احتلال لواء الإسكندرونة وضمه نهائيا لتركيا.

ونعرف أنه لولا التدخل الروسي الحاسم لما تم إنقاذ نظام الأسد، ليس هذا فحسب، بل إنقاذ ما أمكن من "دولة" سورية وإنزال الهزيمة بتنظيم داعش، وقطعا لا يمكن إنكار مساهمات إيران وحزب الله في دعم الأسد والإبقاء على شبه دولة سورية.. لأن المستفيد الوحيد من تدمير الـ"دولة" كما كنا نعرفها في سوريا هي تركيا وإسرائيل.

وللأسف فإن سوريا خارج منظومة العمل العربي المشترك وعضويتها مجمدة في الجامعة العربية التي يعقد مجلسها علي مستوى وزراء الخارجية اجتماعاته حاليا، من دون أن يجرؤ أحد علي المطالبة بعودة سوريا إلى الاجتماعات، أو إلغاء قرار التجميد الذي اتخذ بمؤامرة قطرية وبالتعاون مع أطياف من "الإخوان المسلمين" في دول الربيع العربي، قبل أن يحل الصيف الذي كشفهم وأطاح بهم..

هذه العودة المستحيلة في تصوري هي التي قد تتيح للعرب الاستماع إلى صوت رسمي من دولة يجري تمزيقها على مدار السنوات الثماني الماضية..
والآن تركيا تريد تثبيت منطقة آمنة لها في شمالي وشرق سوريا، وهي نقطة "اتفاق" غير مريح وممتلئ بالخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي، لذلك جاء تهديد أرودوغان بفتح أبواب بلاده للمهاجرين وسيلة ابتزاز جديدة، إما أن تعود عليه بأموال في ظل انهيار العملة، أو تمنحه الموافقة على خطط المنطقة الآمنة، وغض الطرف عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه على الأرض، فتعود على أنقرة بمساحة جديدة في جغرافية بلاده، وتوسع من منصاته التي يحارب منها الأكراد دون هوادة.

وعمليًا جيش أردوغان هناك في شرق مدينة حلب وقبل ثلاث سنوات كاملة، أو كما ذكرت الكاتبة الكردية لامار أركندي في تحقيق صحفي أخير لها، فإن المزارعين في القرى الواقعة غربي مدينة كوباني، عين العرب في شرق مدينة حلب، يخشون رصاص الجيش التركي أثناء قطفهم الفستق الحلبي أو حصد القمح، وأنه سبق وأطلق الجيش التركي النار على المزارعين لمنعهم من الاقتراب من أراضيهم في القرى الحدودية السورية- التركية في كوباني.

ويستهدف الجيش التركي قرى في شرق وغرب كوباني بالرصاص الحي، في شكل يومي منذ سنوات عدّة.

وكانت سوريا قبل الحرب تحتل المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج الفستق الحلبي من مختلف الأصناف، يستهلك القسم الأكبر منه محليا، ويصدر الباقي إلى دول عربية وأوروبية. وهو الأمر ذاته في مدينة منبج، التي سيطر عليها تنظيم داعش واستولوا على إنتاج مزارعها، وبعد أن تحررت من التنظيم ما زالت المدينة مذعورة من رصاصات الموت التي يطلقها الجيش التركي ومسلحو المعارضة.

مشكلة النظام الحاكم في تركيا أنه يريد تصدير فكرة أن أنقرة لم تصنع الأزمة السورية إنما هي إحدى ضحاياها، وحتى لو كان ذلك صحيحًا، فإن السحر قد يكون انقلب على الساحر، ليس أكثر من ذلك.

والحل ليس في محاولة إفهام الحكم في أنقرة بأخطائه التاريخية في الملف السوري، وإنما في محاولة استرداد هذا الملف عربيًا، والدرس الكبير هو في عدم التخلي العربي مجددا عن إدارة ملف أي صراع في المنطقة ومنحه لدول الجوار غير العربي، أو للشرعية الدولية المبتلاة بالمحاور والتحالفات المريبة.